القلعة الكبرى: المعالم الأثرية تحت المجهر.. وتنديد بالاعتداءات الصارخة عليها

محمد علي الصغير –
عبر عدد من المشاركين في منبر الحوار الذي نظمته عشية أمس جمعية علوم وتراث بالقلعة الكبرى عن استيائهم الشديد لما تتعرض له مدينة القلعة الكبرى من اعتداءات صارخة على موروثها الحضاري ومعالمها الأثرية خصوصا تلك المطمورة الى حد الآن تحت الأرض.
وناشد بعض الحاضرين من مثقفي الجهة وناشطين في المجتمع المدني السلطات المختصة التدخل الفوري لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من هذه المعالم التي تتعرض الى عملية اتلاف خصوصا تلك المتواجدة في الحقول والضيعات المجاورة للمدينة.
 
ترجح الأبحاث والدراسات نشأة القلعة الكبرى التي أطلق عليها تسمية "المنعة" أو "قيرزا" أو كذلك "أتيكودا" في القرن السادس عشر ميلادي رغم تواتر بعض المراجع والمنشورات المتفرقة التي تدل على تواجد هذه المدينة ضمن مجموعة من القرى الرومانية أطلقت عليها تسمية "قيرزا" وهو ما يتأكد خصوصا مع تواجد العديد من القطع الأثرية رومانية الأصل مثل التيجان الكورانثية والأعمدة الرخامية والقواعد الكلسية والرخامية وغيرها من المواد التي تم استغلالها في تشييد العديد من الزوايا والمعالم الدينية الموجودة الى حد الآن في قلب المدينة.
 
وفي هذا الإطار، حاولت الطالبة مريم بن عبد السلام من خلال بحثها التي قدمته بفضاء مكتبة النخبة الأنيق لصاحبيه الأستاذ لطفي الشوري والمربية جميلة الفقيه فرج، بحضورعدد هام من المثقفين والمهتمين بالشأن التراثي، بسط فكرة شاملة حول إعادة استعمال المواد الانشائية القديمة في معمار مدينة القلعة الكبرى الحديث. ويندرج هذا البحث ضمن مشروع نهاية تخرج من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بسوسة.
 
وخلصت الطالبة مريم بن عبد السلام في ختام بحثها الى أن الإشكالية الكبرى في تحديد المصادر الأصلية لهذه المواد تدعو الى القول بكل احتراز الى أن هذه المدينة ربما لا تكون هي مدينة كيرزا الرومانية ولكن يفترض أن تكون هذه المواد مجلوبة من الموقع الأثري الذي يرجح على أنه بقايا مدينة كيرزا.
 
غير أن Cursa ليس الموقع الوحيد القريب من القلعة بل يوجد أيضا كل من موقع واد لاية (القلعة الصغرى) وموقع Hadrumetum  أو سوسة حاليا. وهو ما يدعو الى تكثيف الدراسات والبحوث وعمليات التنقيب والبحث في المواقع الموجودة على تخوم المدينة للوصول الى معلومات أكثر دقة ووضوحا. الأمر الذي اعتبره المندوب الجهوي للسياحة توفيق قايد صعبا للغاية نظرا لما يتطلّبه من إمكانيات لوجستية ومادية خصوصا، وهي عوامل يعتبر غيابها عائقا كبيرا أمام صيانة وتثمين التراث في بلادنا.
 
 وفي هذا السياق دعا المندوب الجهوي للسياحة كل المؤسسات الجامعية المختصة الى المبادرة بالمساهمة في البحوث مع التعهد بدعمها لوجستيا قصد انقاذ المخزون التراثي التي تزخر به الجهة والذي طالته يد العابثين والباحثين عن الكنوز مما أدى الى طمس العديد من المعالم ونهب بعض القطع الأثرية بحسب شهادات بعض الحاضرين. واعتبر توفيق قايد أن الاستثمار في المخزون التراثي من أهم أولوياته من أجل دعم السياحة بالجهة وخصوصا بمنطقة القلعة الكبرى التي سيسعى جاهدا الى تحويلها الى قبلة سياحية لما تحويه من مقومات تراثية وحضارية وبالأخص من خلال دعم كل لمبادرات الخاصة ببعث مشاريع الاقامات الريفية والعائلية التي تعتبر رافدا مهما من روافد السياحة البديلة.
 
وتعرضت الطالبة مريم بن عبد السلام خلال تقديمها لهذا البحث ضمن منبر الحوار الذي أداره الأستاذ محمد الصغير قايد رئيس جمعية علوم وتراث الى تبيان مختلف القطع الأثرية الرومانية القديمة وخصائصها خصوصا تلك التي تم استغلالها في تشييد العديد من دور العبادة مثل المساجد والجوامع على غرار جامع الباب الجبلي الذي يعد أقدم معلم بالجهة والذي يحتوي على العديد من النقائش والتحف المعمارية القديمة والتي مازالت تحافظ الى اليوم على خصائصها الفنية والجمالية رغم تواتر الزمن. 
 
كما ركّزت الطالبة في بحثها الذي تم إنجازه باللغة الفرنسية واستندت خلاله على العديد من المنشورات والوثائق والمراجع المجمّعة بمكتبة جمعية علوم وتراث على التعريف بالخصائص الفنية لمكونات هذه القطع الأثرية المتواجدة كذلك ببعض المساكن الخاصة مثل دار المزوغي وببعض الزوايا مثل زاوية سيدي شواري وزاوية للاّ خافية وزاوية سيدي الفوناسي وزاوية سيدي دردور بالإضافة الى قبّة سيدي بن عيسي التي تعد تحفة معمارية أثرية تم اهمالها لسنوات طويلة مما أدى الى فقدانها لجزء هام من مكوناتها ودلالتها الأثرية. 
 
وتجدر الإشارة في هذا السياق الى أنه وبعد الضغط الكبير من قبل العديد من نشطاء المجتمع المدني الذين دعوا السلط المختصة الى التدخل العاجل لإنقاذ هذا المعلم التاريخي الذي يتم استغلاله كأحد أقسام المدرسة الابتدائية ببن عيسى فانه تجري حاليا عمليات صيانة مكثفة بإشراف المعهد الوطني للتراث بالتعاون مع جمعية دروب للثقافة والتنمية بالقلعة الكبرى قصد انقاذ هذه التحفة المعمارية الفريدة من الاندثار.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.