يسرى الشيخاوي-
سيل من الفرح تسرب إلى زوايا وأركان قاعة الاوبرا بمدينة الثقافة إثر عرض الكوميديا الموسيقية "أليس"، حتى أن الجمهور انغمس في موجة تصفيق ملؤها الحماسة والنشوة التي ارتسمت في أعينهم.
وإن حجبت الكمامات الابتسامات العريضة إلا أنها ظهرت في النظرات وفي هتافات الاطفال، بعد جولة في عوالم فنية ملؤها الفرح والحياة والامل في غد أفضل، غد يليق بتونس وشعبها الذي يحب الحياة ما استطاع إليها سبيلا.
رحلة بين الألحان والخطوات والكلمات، تعانق فيها الرقص والغناء والموسيقى والسيرك فلي عمل فني من تأليف وتلحين أسامة المهيدي ونص وإخراج حسام الساحلي، اقتباسا عن رواية أليس في بلاد العجائب للويس كارول.
من حكاية "أليس" الفتاة التي سقطت في جحر أرنب لتجد نفسها في عالم ملؤه الخيال حتى ان الأرنب ناطق، نسج حسام الساحلي تفاصيل النص وخلق أسامة المهيدي الألحان وصاغت عايدة النياطي وعبد الرحيم القريشي كلمات الأغاني، وأوجد صبري العتروس السينوغرافيا وبعثت مريم الفرشيشي الحياة في الرقصات ورسم محمد الدجبي ملامح الكوريغرافيا والسيرك.
الكوميديا الموسيقية الموشحة بالفنتازيا والعجائبية، إنتاج مشترك بين مسرح الأوبرا وشركة بدعة للإنتاج، طرزه القائمون عليه بروح تونسية تسربت إلى كل التفاصيل حتى لامست القلوب قبل العقول.
على الركح ارتسم عالم ثلاثي الأبعاد أوجده لؤي خولي ومروى ولها صارت معه الأفكار النابعة من عالم الخيال حقيقة، وتواترت الصور المقتبسة من الحكايات تحملك إلى عوالم الطفولة إن كنت تجاوزتها وتداعب خيالك إن كنت طفلا.
ديكور بلمسات سحرية غرائبية وإضاءة تتراقص على إيقاع الألحان والكلمات، وموسيقى خلقها عازفو الأركستر السمفوني التونسي بقيادة المايسترو محمد بوسلامة، عناصر جذب في العرض الذي كان التناغم والانسجام بين المشاركين فيه أبرز السمات.
من العناصر الأخرى التي تشدك في الكوميديا الموسيقية الأزياء التي انتقتها ليلى الدجبي وجعلتها امتدادا لألوان الحياة حتى بدا الركح لوحة فنية تخطف إليها الأنظار دون إيذان.
على إيقاع موسيقى ترشح منها الحماسة والغبطة وتتماهى فيها النغمات الاركسترالية ونغمات الجاز ونغمات مستوحاة من الموسيقى التونسية، صدحت الحناجر بأغان تونسية كلماتها بسيطة لكنها محملة بالمعاني والأحاسيس.
أكثر من اثنين وسبعين فنانا تماهوا على الركح ليكون العرض مزيجا من الفنون من الغناء إلى الرقص بتلويناته المختلفة إلى لوحات السيرك التي اشرأبت إليها الأعين وهي تلاحق طيران اللاعبين على أجنحة الخيوط المتدلية من سقف الركح.
مواقف طريفة عايشتها "أليس" على الركح واستدرت بها ضحكات الأطفال وهي تنتقل من حدث إلى آخر لتلتقي شخصيات مختلفة من الأرنب إلى إلى صانع القبعات المجنون، والملكة البيضاء، وملكة القلوب، والتوأم وغيرهم من الشخصيات.
قضايا ومشاكل كثيرة تلامسها الكوميديا الموسيقية من زاوية فنية تهون تمرير الرسائل والدروس إلى الأطفال فيتعلمون وهم يلاحقون خطوات الراقصات والراقصين ويتأملون حركات لاعبي السيؤك ويستمعون إلى صوت عائدة النياتي وهي تتلو كلماتها بصوت ملائكي يتسلل إلى الروح وصوت أمينة بقلوطي وهو يعانق السماء ويخترق كل الحدود، ويطارد حمزة أبه وهو يستنطق كمنجته في مشهد طريف.