“راعي الصحراء”.. وجهان للإنسان

يسرى الشيخاوي-

إلى قاعة المبدعين الشبان حج الأطفال وأولياؤهم ليمتعوا أنظارهم بمشاهدة المسرحية العرائسية "راعي الصحراء" وتقصي العبر والدروس من بين تفاصيلها الأخاذة كما ثنايا الصحاري.

و"راعي الصحراء" الذي عرض في اختتام مهرجان مسرح الطفل وفنون العرائس، الإنتاج الثالث لمركز الفنون الدرامية والركحية بتطاوين عن نص لعلي اليحياوي ومن إخراج عائدة جابلي وبمشاركة الممثلين عبد السلام حميدي، وحسان مرّي، ورياض الرحومي وبلقيس مصباح.

على وقع ضحكات الأطفال وهمساتهم خفتت الأضواء ودوّى عواء الذئاب على الخشبة التي تبدو ملتحمة بالجمهور على غير العادة وارتسمت ملامح رحلة في عوالم الصحراء والإنسانية.

لحظات من العواء تراود ضحكات الأطفال قبل ان تتبدى ملامح العرض الذي يروي حكاية راعي إبل ولى وجهه شطر الصحراء يحتمي بها ويسكنها ويستعيذ من الوحدة برفقة صديقه حيوان الفنك وجماله.

فيما السيناغروفيا تلقي بك في عوالم الصحراء ببساطة تخال معها أنك فعلا في قلبها وأن رمالهاتتحركمن تحت قدميك، يتناهى إلى مسمعك صوت مستغيث يتسلل منه الوهن.

إنها غزالة جريحة رماها صيادون برصاصة اخترقت جسدها فسال دمها ليخضب الرمال، غزالة يشي وجعها بخليفة الله الذي عاث فسادا في الأرض فلم يترك نباتها ولا حيوانها بسلام.

وفي العرض العرائسي يتبدّى وجهان للإنسان، الهمجي المتوحّش الذي يتلذّذ بقنص الحيوانات ممثلا في الصيادين وصديق الحيوانات الذي يستأنس برفقتها ممثلا في راعي الإبل.

بكل ما القي في قلبه من محبة للحيوان حاول الراعي  أن يضمّد جرح الغزالة وإن سكت الدم عن الكلام فإن الجرح الغائر يحتاج عشبة نادرة ليلتئم، عشبة لا وجود لها إلا الغابة المخفية وفق ما رواه الفنك لرفيقه.

رحلة البحث لم تكن هينة وكانت محفوفة بالمصاعب والمشاهد التي تثير الوجع في القلب عن حال الحيوان امام غطرسة الإنسان، وقد أجاد محرّكو العرائس نقل الواقع بصورة تحفّز خيالك على الغوص في عمق عالم الحيوان وتفكيك شيفرات معاناته.

ولأن الإنسان في بعض المواقف ذئب لأخيه الإنسان فإن الصياذين لم يتركوا الراعي في حال سبيله وكالوا له الوعيد والتهديد ولكن البومة الحكيمة مدّت له يد العون وبلغ مراده.

وفي الأثناء كانت الغزالة الجريحة تقارع ألم الإصابة ووحشية الصيادين الذين أحكموا وثاقها دون ان يرأفوا لحالها، مشهد مشحون بالتشويق تسرب معه التوتر والاضطراب لمصير الغزالة والفنك والبومة وراعي الإبل.

وعلى إيقاع السيناريوهات المحتملة تتجلى عبرة اخرى من العمر المسرحي وهي التضامن والتكاتف، إذ توحدوا بمساعدة الجمال وأفلحوا في هزيمة الصيادين ونجت الغزالة.

عبر ودروس كثيرة تحملها المسرحية التي نهل نصها من اللغة العربية الفصحى وكان الممثلون أوفياء لمخارج الحروف والإعراب، من الرفق بالحيوان واحترام الطبيعة بكل مكوناتها إلى إغاثة من يطلب المساعدة إلى التضامن.

كلمات بسيطة كتبها علي اليحياوي فوجدت طريقها إلى الأطفال الذين عبروا عن تفاعلهم مع العرض المسرحي بطرق مختلفة، وأكسسوارات وعرائس برع الفنان الحبيب الغرابي في خلقها حتى كادت تنطق.

الأسلوب الإخراجي لم يخل هو الآخر من البساطة وحاكت فيه المخرجة الواقع دون تعقيد وخاطبت الخيال والعاطفة والعقل وأسرت بالحاضرين إلى عالم الصحراء وأسراره.

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.