منال الفرشيشي.. خلّاقة جسور بين تونس والكوديفوار

يسرى الشيخاوي- 

في عينيها أحلام كثيرة، وفي تفاصيل محياها يرتسم ألق الأمل، وفي ابتسامتها إصرار ومقاومة، وفي حديثها معان ورسائل تتناثر من ثناياها الإرادة والرغبة في وأد كل الصعوبات والعراقيل من أجل أن تصير الأحلام حقيقة.

في حركاتها وسكناتها، انعكاس لألوان الحياة التي تزيّن الأقمشة التي صارت رفيقتها في السنوات الأخيرة، وفي صوتها سر لايدرك كنهه إلا نظراتها التي تفيض حديثا، وفي خياراتها تماهى شمال القارة الإفريقية وجنوبها.

حينما تصغي إلى حكاياها، تشدّك نبرة صوتها الموشّحة بطموحات عاشقة للفن وللحياة وترجو ألا تسكت عن الكلام وهي تروي تفاصيل تترجم معنى الرجوع إلى الاحلام الأولى ولو بعد حين، هي منال الفرشيشي، المرأة التي خلقت جسورا بين تونس والكوديفوار.

كانت تعشق المسرح وترغب في أن يكون اختيارها بعد الحوز على شهادة الباكالوريا، ولكنها رجّحت كفّة قرار والدتها التي عارضت بشدّه هذا الاختيار وكان لا بد لها من أن تطيعها، وفق حديثها.

بعد نجاحها في الباكالوريا في شعبة الاقتصاد والتصرف، درست اختصاص التصرّف في الجامعة وكان النجاح حليفها لتظفر بشهادة تقني سام في الصيانة والإعلامية الصناعية، شهادة ركنتها لتعانق حلمها الأول المسرح.

في البدء كانت مرحلة الدراسة، إذ تلقت منال الفرشيشي تكوينا في فضاء التياترو وتحصلت على شهادة، ومن هناك انطلقت رحلتها في التربصات الخاصة وفي نوادي المسرح لتنطلق مسيرتها المهنية في المسرح سنة إثنتي عشر وألفين مساعدة مخرج في مسرحية "ريتشارد الثالث" للمخرج جعفر القاسمي.

وهذه المسرحية كانت، أيضا، فرصة لاكتشاف الكوديفوار التي عشقتها من الوهلة الأولى، حتى أنها حينما غادرتها وعادت إلى تونس ظلت مسكونة بإحساس العودة إليها، إحساس لم تخبر معناه إلا حينما استنشقت رائحتها للمرة الثانية.

في الزيارة الثانية إلى الكوديفوار، بعد أربع سنوات، علمت مساعدة برمجة مسرحية وتعلّمت الكثير في هذه التجربة على المستويين الإنساني والمهني وعادت إلى تونس مرة أخرى محمّلة بأفكار كثيرة، لتتكثّف تجربتها في المسرح إذ عملت في برمجة المسرحيات في أيام قرطاج المسرحية.

وإلى الكوديفوار تشدّ محدّثتنا الرحال مرّة أخرى حيث عملت مدربة مسرح للأطفال والكهول تطوّر مهاراتهم في الحديث أمام الجمهور وفي تجاوز الصعوبات التي تواجههم، هو المسرح فن الحياة.

هناك أسرتها كل التفاصيل، وفق حديثها، ووجدت نفسها في قلب ثقافتها بالتوازي مع الثقافة الكامرونية التي يرجع إليها خطيبها، ولم تشأ أن تخرج من هذه التجربة خاوية الوفاض بل أرادت أن ترويها في تونس على طريقتها.

محمّلة بالإلهام والتوق إلى ترجمته، عادت إلى تونس حيث كان ميلاد فكرة  أفرو لولو "afro loulou"، المشروع الذي يتأرجح بين تونس والكوديفوار، مشروع انطلق بصناعة الكمامات.

ومع تزايد الطلب عليها، ترسّخت فكرة المشروع أكثر، وسط إعحاب من المقربين والمقربات منها بطريقة لباسها الضارب في ثقافة إفريقيا جنوب الصحراء، ومن هنا انطلقت في فكرة تصميم الملابس لتكتشف في نفسها موهبة كامنة حركتهار زياراتها المتتالية إلى الكوديفوار.

بين تونس بلدها الام، تونس العائلة والثورة والأصدقاء والحرية والكوديفوار بلدها المضيّف، الكوديفوار أرض الاكتشافات والإلهام تهادى قلبها وتفاصيل مشروعها واكتملت ملامح وعيها بدور الثقافة في دفع الحدود بين إفريقيا الشمال والجنوب. 

في الحديث عن مشروع " أفرو لولو"، تقول منال الفرشيشي إنه نابع من الوعي بالحاجة إلى التكامل بين الثقافات والفنون في افريقيا بشمالها وجنوبها ومظج المعارف من اجل خلق فن وإبداع وتنافس في إفريقيا انطلاقا منها ومن أجلها.

من هذا الوعي يستوحي المشروع أهدافه إذ يتيح الفرصة لاكتشاف الملابس والمنتوجات الطبيعية لإفريقيا جنوب الصحراء والاستفادة منها، وفي المقابل تعرّف بالمنتوجات التونسية هناك لتمدّ جسورا بين شمال إفريقيا وإفريقيا جنوب الصحراء عبر التفاصيل التي تحملها في قلبها من تونس إلى الكوديفوار.

و"أفرو لولو"، في نظر محدّثتنا، وليد تعتني به في كل التفاصيل وتسعى لأن ينمو على نسق الفن والثقافة والشغف بالاكتشاف والغوص في أسرار الألوان التي تضفي على التصاميم لمسة سحرية وتغيّر مزاج الحياة.

من خلاله تدعو الشباب عموما والنساء خصوصا إلى الاهتمام بالثقافة الافريقية لما فيها من كنوز مهملة يمكن أن تكون انطلاقة لمشاريع تجارية وثقافية وفنية في ذات الآن، معتبرة أن اليأس يتسلل من بين ثنايا تجاهل الاستثمار في الثقافة الافريقية، الثقافة الافريقية التي شرعت لها أبواب الحلم.

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.