آسيا التوايتي –
قديما، كنت أسمع والدي يجيب كل من يسأله لماذا يبيع الملابس الجاهزة وهو خياط، ويحب البيع بالدكان وقد اشتغل في حضائر عمال المناجم بقفصة وحقل الدولاب..: "باش ندور الدولاب"… تلك كانت إجابته المتكررة وكان يضيف إلى هذه الجملة التي لم أدرك معناها إلا متأخرا…: "باش تعيش في بلادنا الفقيرة لازم اتدوِّر الدولاب"…
مات أبي ولم تدر عجلة الدولاب! ولازالت تلك القرية الصغيرة التي ولدت بها مهمشة، رغم قربها من محطة تكرير النفط بالدولاب…
دولاب… والجمع دواليب: الآلة التي تديرها الدابة ليستقي بها..
الدُّولاب: جهازٌ لرفع الأَثقال، وهو نوع من المِلْفَاف
الدُّولاب :خِزَانةُ الثياب
الدُّولاب :كلّ أداة تدور وتُحدث حركة تدفع غيرها
دولاب النَّول: مكنة لغزل الخيوط لها عجلة تُدار باليد أو القدم ومغزل واحد…
وفي كل تعريف من هذه التعاريف… أبناء قريتي الضعفاء مفعول بهم!
نعم لا ينتج الدولاب براميل كثيرا ولكنه يسرق الكثير من طموحاتنا…
كنا نقف على حافة الجبل أطفالا نردد اغاني الطفولة: "بلاد العرب أوطاني وكل العرب إخواني.. وكان يُشار لنا أن نبتعد قليلا… عن تلك المناطق وقد خُيِّل لنا أنها مسكونةٌ بالألغام لكثرة منعنا منها..
120 دينارا، أي ما يعادل 43 دولارا أمريكيا بقشيش النادل في مطعم أمريكي، كانت أجر والدي في تلك السنة ورجال آخرون يعولون عائلات تتكون من خمسة إلى تسعة أطفال…
صدى الجبل: "شغل حرية.. كرامة وطنية"
يرابض أهل "القرين" (وهو اسم القرية التي تبعد عن الدولاب مئات الامتار) وكل المناطق المجاورة لها، الذين جاؤوا من الزديرات، الخضاورية، التوايتية، النادي، البرك، الشرايع، سمامة، العيون، سبيطلة، الفرايجية، الدبابة والقاب وجموع أخرى كثيرة وغفيرة اليوم..
أغلبهم من خريجي الجامعات العاطلين عن العمل ومنهم من زادت بطالتهم عن العشر سنوات، ينضم إليهم كهول أمضوا حياتهم في رفع الأثقال… أداة تدور وتحدِثُ حركةً تدفع غيرها في الدولاب.. نعم يرابضون في الدولاب..
إنها المرة الأولى التي أسمع فيها "بن غذاهم" مبتهجا بأصواتهم المنتشرة في أرجاء الجبل الممتد الى جبل الشعانبي يمينا وسمامة يسارا: "شغل حرية.. كرامة وطنية".
ما أعظمكم! وما أجمل الصوت يتردد في الجبل…
ما لا يعرفه البعض هو أن شباب الدولاب ليسوا مقلدين بصدد تقليد كامور تطاوين.. ففي هذه الربوع نشأ فلاقة حقيقيون.. وساهموا في طرد المستعمر من هذا الجبل بالذات…
كما أن، من بين هؤلاء من نجح الأول عن ولايات تونسية عديدة ومنهم أطباء وجامعيون وبياطرة ومحامون واساتذة ومعلمون… نجحوا بامتياز وتفوقوا ولم يتلقوا يوما درسا خصوصيا ولا مراجعة خاصة وزادهم خلال فترة الراحة أو فترة الغداء "كسرى وزيتون" (الخبز العربي).
رسالة خاصة من الدولاب إلى الرئيس ومجلس النواب
سيدي الرئيس.. هل تذكر يوم جئتك أطلب إجراء حوار معك بخصوص رسالة الماجستير في العلوم السياسية؟
ها أنا ذا أخاطبك من هذا المنبر من وراء قلم لا غير…
إن قريتي والوطن يحتاجان هبة رجل دولة بامتياز…
ان الشباب لا يطلب التسريح بالمخدرات ولا ينوي الانحراف في هذه البقعة النائية ولا ينوي الوقوف ندا للدولة ولا يبحث عن الفوضى ولايرنو إلى إحداث البلبلة، كما يروج لذلك في بعض وسائل الإعلام…
إن هذا المخيم…خيمة بالية من إهداء الخالة حفصية، لتأويهم وهم يطلبون مساعدتك.. يطلبون الحق في العمل لا غير.. ولا يحتاجون إلى لقاح كورونا فقد أصابهم المرض مرات ولم يموتوا.. لكن القهر يكاد يقتلهم!
إن أبناء وطني شاركوا في ثورة ما أو انتفاضة مضى عليها عشر سنوات ولم يعملوا ولم يفرحوا ولم يحققوا أملا واحدا من أمنياتهم المتعددة…
إن أبناء وطني درسوا بجد كما يطلب الأستاذ ذلك ونجحوا كما يطلب الآباء وبكوا كما تحزن الأمهات.. وقد صفقوا لاعتلاءك سدة الحكم إيمانا منهم أنك نصيرهم…
سيدي الرئيس، أيها السادة النواب.. إن أبناء وطني واعون بمطالبهم لا يطلبون شفقة، بل يطلبون بندا مذكورا في كل برامج الأحزاب.. "شغل، حرية، كرامة وطنية"
لا شيء غير ذلك يا سيادة الرئيس.. الشغل والكرامة يا مجلس النواب..