15
يسرى الشيخاوي-
كل سنة تحيي الجمعيات والمنظمات النسوية اليوم العالمي للمرأة الريفية بطريقتها، بين تنظيم الانشطة الموجهة لها وبعث مشاريع تمكّنها من مجابهة الصعوبات، ومن بين الجمعيات التي تولي أهمّية خاصة للمرأة الريفية جمعية النساء التونسيات للبحث حول التنمية.
وفي ظل جائحة كورونا تحيي الجمعية هذا اليوم على غير العادة ولكنّها تواصل مشاريعها ودراستها التي تولي اهتماما خاصا للمرأة عموما والمرأة الريفية خصوصا والتي تهدف بالأساس إلى تغيير العقليات من أجل تعزيز مشاركة المرأة في الحياة العامة.
وللحديث عن مشاريعها ودراساتها وعن أهدافها ومجالات تدخلها في فترة الحجر الصحي كان لحقائق أون لاين حديث مع رئيسة جمعية النساء التونسيات للبحث حول التنمية مفيدة العباسي.
وفيما يلي نصّ الحوار:
بتاريخ الخامس عشر من شهر أكتوبر تحتفل تونس كل سنة باليوم العالمي للمرأة الريفية، في ظل جائحة كورونا وتبعاتها كيف ستحتفل جمعية النساء التونسيات للبحث حول التنمية بهذا اليوم؟
في علاقة بيوم المرأة الريفية دأبت الجمعية على تنظيم أنشطة متنوعة سواء في الجهات او المركز مع الحرص على التجديد كل سنة، وهذه السنة كان من المنتظر تنظيم تظاهرة تحسيسية لفئة من النساء المستفيدات من المشاريع التي اطلقتها الجمعية.
وكان من المنتظر التنقل إلى المدارس في المنطقة على اعتبار أن مشاريع الجمعية تقوم على مقاربة جماعاتية تتعدّى محيط المرأة الضيق لتلامس محيطها الاجتماعي، ولكن في الظروف التي فرضتها الجائحة من منع للاجتماعات والتجمعات قررنا تأجيل التظاهرة.
إذا كيف سيكون إحياء هذا اليوم؟
على غير العادة لن نتوجه إلى المراة الريفية إلى حيث هي، سنصدر بيانا بخصوص وضع المرأة الريفية ومعركة حقوقها ومكتساباتها وسنواصل العمل على المشاريع التي أطلقتها الجمعية، فالاهتمام بوضع المرأة الريفية ليس مناسباتيا ولا يقتصر على إحياء يومها العالمي.
والمرأة الريفية من بين الفئات النسائية التي نولي لها اهتماما خاصا في الجمعية من خلال عدّة مشاريع تتوجّه إليها مباشرة من خلال أنشطة مختلفة، وإن كانت مواردنا محدودة فإننا نحاول أن تكون أهداف هذه المشاريع دقيقة وتؤدّي إلى نتائج إيجابية تصب في خدمة المرأة الريفية.
الحديث عن المشاريع يقودنا إلى المشروع الذي أطلقته الجمعية في ماطر، ماهي ملامح هذا المشروع؟
المشروع بعنوان "تعزيز ثقافة السلم والمشاركة الديمقراطية للمرأة في منطقة ماطر" تنفذه جمعية النساء التونسيات للبحث حول التنمية بالشراكة مع الوكالة الاسبانية للتعاون الدولي يهدف إلى مساعدة النساء في الوصول الى الاستقلال الاقتصادي وبالتالي الاستقلال الاجتماعي.
وهذا المشروع يهدف، أيضا، إلى إنشاء تعاونية ومركز لتجهيز وبيع منتوجات النساء اللاتي تنتجن ولكنهن يواجهن صعوبات في التسويق ويعانين من الاستغلال.
كيف يذلّل المشروع الصعوبات التي تواجهها هذه الفئة من النساء؟
المشروع يعمل على تعزيز قدرات المرأة على مستوى الاختصاصات من خلال دورات تحسيسية وتكوينية حول الاقتصاد الاجتماعي والتضامني وهي الصيغة التي يمكن أن تجمعهن للعمل معا، إلى جانب تفسير عديد المفاهيم لتكون النساء على دراية بأبعاد هذا الاقتصاد.
في الواقع، العملية تتطلب الكثير من الوقت ونحن نسعى إلى بنائها على مراحل تشمل أيضا التكوين على المشاركة المجتمعية وتمثلات المرأة لمحيطها وقدرتها على التفاعل معه.
عمليا، فيما تتمثل هذه المراحل؟
فكرة المشروع فيها قراءة لمحيط النساء وإجابة لحاجياتهن، مثلا يتضمن المشروع فضاء روضة أطفال حيث تترك المستفيدات من المشروع اطفالهن، وفي هذا الفضاء مختصة تعتني بالأطفال وتمكّن الأمهات من تجاوز مشكلة التفكير فيمن يعتني بأطفالهن.
والبرنامج يتضمن أيضا تكوينا على الانتاج ومعايير الجودة وتقييم المنتوج والتسويق وهي عناصر تعطي قيمة إضافية للمنتوج، وتمكن المرأة المنتجة من حماية نفسها من استغلال الوسيط وبناء قدرات تحميها من الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية وتتيح لها الامكانيات لتدافع عن وجودها.
والمشروع في المجمل يقوم على تكوين متعدد الاختصاصات يهدف إلى تمكين النساء من حقوقهن ومن معارف مجتمعية أخرى تشمل بناء العلاقات والتضامن.
مالذي يجعل من مشاريع الجمعية ذات صدى لدى الفئة المستهدفة خاصة في المناطق الريفية؟
المواطنون والمواطنات في المناطق الريفية لايمثلون جمهورا عريضا وبالتالي عملية التوجه له من خلال وسائل الإعلام غير ذات جدوى على اعتبار أنّ حاجيات هذه المناطق خصوصية ولكل منطقة امكانياتها وظروفها والصعوبات التي تواجهها.
والمفتاح هو زيارة هذه المناطق ودراسة حاجياتها وامكانياتها والالتحام بالمواطنين هناك للتمكن من تحديد الصعوبات التي يواجهونها ومن هذا المنطلق نبني أسس مشروع ناجح قادر على تجاوزها ويلبي حاجيات المنتفعين به وهو ما يجعل له صدى لديهم.
المشاريع التي تطلقها الجمعية لا تخلو من بعد بحثي ومن بينها مشروع عن قطاع زيت الزيتون، فيما يتمثّل هذا المشروع ؟
المشروع بعنوان "تقليص الفوارق في جمع الفوائد في قطاع زيت الزيتون" ويهدف إلى الاطلاع على ظروف عمل النساء والرجال في أراضي الزيتون وعلاقتهن وعلاقتهم بالمشغل وكبار المستغلين والمصدرين لزيت الزيتون، تنفذه جمعية النساء التونسيات للبحث حول التنمية واوكسفام وشركاء من تونس يعملون على أبعاد أخرى.
والمشروع يتمثل في دراسة سوسيولوجية بخصوص المعايير الاجتماعية الداعمة لتكريس جميع أنواع العنف المسلط على العاملات والعاملين في القطاع الفلاحي، وهو بحث لإجابات عما يجعل المسألة مقبولة اجتماعيا.
ماهي أساليب المناصرة التي ستعتمدها الجمعية في علاقة بهذا المشروع؟
في هذا المشروع ستكون أداة المناصرة فيلما وثائقيا يوثق لظروف العمل في قطاع زيت الزيتون، وفيه تثمين لمجهود العاملين والعاملات دون التركيز على الوضعية المزرية.
وهذا الفيلم الوثائقي الذي يتم إنجازه يندرج في إطار تنويع أدوات المناصرة، ويهدف إلى إلقاء الضوء على مساهمة المرأة في الثورة الزيتية، ومن هناك وضع الإصبع على قطاع غير مهيكل والضغط من أجل توفير حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية وضمان حقهم في العمل اللائق.
هل تنجز الجمعية مشاريع اخرى في علاقة بالمرأة الريفية؟
في المشاريع الخاصة السنة الحالية هناك اهتمام بالمراة الريفية، ومشروع " تحليل أنشطة الرعاية" يشملها أيضا، وهو دراسة ميدانية بالشراكة مع أوكسفام الهدف منها تحديد أنواع العمل غير مدفوع الأجر من خلال الحديث مع عديد النساء في مناطق مختلفة من الجمهورية.
والمرأة تنخرط في أعمال غير مدفوعة الاجر سواء في المنزل من خلال الأعمال المنزلية أو الأعمال الفلاحية في أرض الزوج أو الأب، وهذه الدراسة تهدف إلى تحديد مستوى عدم المساواة في ظروف العمل ومدى تأثيره في النساء خاصة في الريف.
ومن خلال هذه الدراسة ننبش في المخزون الثقافي ونسعى إلى تغيير العقليات، وقد اشتغلنا مع جمعيات محلية ووطنية لتعزيز قدراتها في مجال النوع الاجتماعي وإدماج هذه المقاربة في أنشطتها بهدف دراسة الفوارق التي تعدّ أحد محاور دراسة "تحليل أنشطة الرعاية".
تزامنا مع الاعياد الخاصة بالمرأة تتواتر، افتراضيا، تدوينات تتحدّث عن دفاع صوري عن حقوق المرأة في الوقت الذي مازالت تعاني فيه المرأة الريفية من عدة صعوبات، ما تعليقك؟
الاشكاليات المجتمعية مسؤولية الجميع وأنا ضد عقلية أولائك الأشخاص الذين يجلسون وراء شاشات الهواتف والحواسيب ويتساءلون عن الإنجازات الموجهة للمراة الريفية أليس من الأجدر أن يتحدّث بضمير الجمع ويتقاسم المسؤولية مع غيره.
فالإشكاليات المطروحة إن اعتبرناها مشكلة طرف بعينه لن نتمكن من حلها، الأكيد ان الدولة هي المسؤولة عن وضعية النساء الريفيات ولكن يجب أن تكون مدعومة من مجتمع مدني فاعل ومن مواطنين يدفعون نحو تحقيق المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص.
وعوض تقريع الآخر ولومه يجب ان نحاول التغيير على أرض الواقع عبر بناء عقلية المسؤولية المشتركة، والتقسيم الحاصل اليوم بين ريف ومدينة هو نتيجة سياسات عامة للدولة وغياب رؤية جديدة لمنوال تنموي يدفع نحو التغيير.
ما الحل برأيك؟
الحل يكمن اوّلا في القطع مع سياسة الترقيع واستنساخ تجارب سابقة لم تحقق نتائج ايجابية، والاستثمار في الفلاحة عبر خلق مشاريع جيدة تراعي خصوصيات الجهات وامكانياتها وتعزيز ثقافة المبادرة.
لا بد ان تنشغل السياسات العامة بتغيير العقليات لأنه اليوم نشهد تغييرا في الممارسات ولكن العقليات لا تبارح مكانها ومازلت تنخرط في إعادة إنتاج الفقر، ولا بد للتعليم والتربية ان يقوما على تثمين كل الأعمال وألا تصنفها إلى جيدة أو سيئة إلا وفق احترام إنسانية الإنسان.
بعد حادثة السبالة التي راحت ضحيتها عاملات فلاحيات أعلنت جمعية النساء الديمقراطيات عن تشكيل لجنة لتقصي الأضرار التي لحقت المناطق المهمشة نتيجة ضعف التنمية وكنتم طرفا فيها ، كيف كانت مشاركتكم؟
في الواقع لم ننتظر انطلاق أعمال اللجنة وتنقلنا على عين المكان، ودار حديث مع النساء هناك ووجهت إعانات لهن وللأطفال وكان كل التركيز على حل مشكل النقل ومن هناك كان العمل على حملات تحسيسية بخصوص الطرق المعتمدة في تنقلهم.
ووضعية العاملات في قطاع الفلاحة مسؤولية الدولة بالأساس، وفي المقابل نحن نواصل العمل على التحسيس بمشاكلهن والصعوبات اللاتي يواجهنها وهذا الملف يتطلب رؤية على المدى الطويل لا حلولا ترقيعية آنية، والاحتفاء بيوم المرأة الريفية فرصة للتذكير بمشاكلها.
في فترة الحجر الصحي ماهي مجالات تدخّل الجمعية في علاقة بالمرأة؟
على مستوى الأنشطة العادية تغيرت منهجية العمل على اعتبار انعدام القدرة على التنقل بسبب إعلان الحظر الصحي الشامل، ورغم ذلك كنا السباقين في الاستماع إلى النساء المعنفات وأطلقنا حملة "ماكش وحدك" التي كانت شرارة حملات أخرى لمناهضة العنف ضد المرأة خلال الحجر.
ومع ارتفاع وتيرة اتصال النساء المعنفات تم فتح فضاء مستقل لإيواء النساء يقضين فيه فترة أسبوعين للتأكد من عدم حملهن لفيروس كورونا قبل أن ينتقلن إلى مركز الإيواء والإحاطة التابع لوزارة المرأة والذي تديره جمعية النساء التونسيات للبحث حول التنمية.
ومن بين الحالات التي نفتخر بتدخّل الجمعية من أجل الإحاطة بها، حالة تلميذة باكالوريا هربت من العنف وانهت دراستها وهي في مركز الإيواء وتحصّلت على شهادة الباكالوريا بملاحظة جيّدة.
وفي الوقت ذاته خصصت الجمعية خطوط هاتف للانصات والتوجيه والإحاطة النفسية وتطوعت ناشطاتها للتعاطي مع وضعيات النساء المعنفات، كما مكّنت النساء المنتفعات من مشاريعها من إعانات مادية.
ماهي مجالات التدخّل الأخرى في نفس الفترة؟
في حي هلال وماطر أمنت الجمعية دورات تكوينية عن بعد لعدد من الشباب ومكنته من لوحات ذكية ليكون همزة وصل بين المجتمع المدني والأطراف التي تستحق المساعدة والمساندة.
وبمعية مكونات المجتمع المدني، وجهت الجمعية مراسلات للحكومة للفت نظرها إلى غياب البعد النسوي عن إعانات الفئات الهشة، وللتعبئة من أجل الحق في الحياة والصحة.
وفي علاقة بحقوق التقاضي حينما أغلقت المحاكم خلال فترة الحجر الصحي تدخلت الجمعية لدى وزارة العدل من أجل ضمان الحق في رقع القضايا خاصة المتعلقة بالعنف الذي ارتفع في تلك الفترة.
رغم القوانين والتشريعات وحملات المناصرة ترتفع وتيرة العنف ضد المرأة في الفضاء العام، ما تعليقكم؟
المسألة عامة وهي انعكاس للمشهد السياسي الذي اتسم بترذيل الممارسة السياسية مع ظهور طفرة سياسويين جاهلين بالعمل السياسي، فغزت المشهد العام مظاهر السخرية من المرأة وممارسة العنف ضدّها في تجلّيات مختلفة ووصل الأمر إلى حد ممارسته في الهيكل التشريعي الذي صدر عنه قانون تجريم العنف ضد المرأة مجلس نواب الشعب.
وسياسة الافلات من العقاب ساهمت أيضا في ارتفاع وتيرة العنف ضد المرأة، في ظل وجود فئة يزعجها بروز المرأة، فئة مازالت تعتبر الفضاء العام ذكوريا وتمارس الوصاية على المرأة، هي حالة عامة ولكن الأكيد أنها لن تتواصل بوجود وطنيين غيورين على البلاد ومستقبلها ومستقبل الأجيال القادمة ولم يرضوا بهذه الممارسات ضد المرأة.