سوق سوداء في باردو.. شراء للذمم وبيع للضمائر

بسام حمدي-
 
شبكة الفساد في هذه البلاد, أكبر من شبكة الصرف الصحي، مقولة للكاتب المصري جلال عامر تتماهى بقوة وواقع تونس اليوم بل وكأنها خاصة ببلادنا التي استبدّت بها جرائم الفساد وجرفتها الى مستنقع تقنين بيع الذمم وشراء الضمائر.
 
في تونس، وتحديدا في مدينة باردو، تزدهر تجارة البشر وترتفع مؤشرات بورصتها في كل موسم برعاية السلطة التشريعية وتحت أنظار المؤسسة القضائية وتسري سفن البيع والشراء بما تشتهيه بارونات الفساد.
 
في الظاهر، تبدو ممارسات هذه التجارة خلسة لكنها في الحقيقة هي من اختصاص جزء هام من أعضاء مجلس نواب الشعب، هي تجارة"الميركاتو" البرلماني، تجارة خاصة بالأشخاص وبإجهاض لخيارات الناخبين.
 
بنصف جرأة وبشجاعة منقوصة، كشف النائب راشد  الخياري مؤخرا عن وجود سوق مفتوحة لبيع وشراء ذمم بعض النواب تحت قبة السلطة التشريعية في إطار التطعيم الذي تقوم به بعض الأحزاب لكُتلها في البرلمان.
 
وفي هذه السوق تتباين أسعار ممثلي الشعب في البرلمان بين نائب وآخر، ووصل سعر النائب الواحد خلال الميركاتو البرلماني الأخير حد الـ150 ألف دينار وفق تأكيد الخياري الذي رفض الإفصاح عن هوية الحزب الذي عرض عليه هذا المبلغ ربما لمشاركاته في المفاوضات التي تعلقت بالصفقة.
 
وغير بعيد عمّا ذكره الخياري، صفقات أخرى دُبّرت بليل داخل أسوار البرلمان، فقد حُجبت الثقة عن الحكومة التي اقترحها الحبيب الجملي وتقرر إسقاطها في آخر اللحظات بواسطة دفوعات مالية تلقاها نواب اشترطوا على رئيس حزبهم تمكينهم شيكات لانتهاج ما قرره تجاه حكومة الجملي، وانقسمت آنذاك كتلة برلمانية في أول اجتماع لها سبق جلسة التصويت على الحكومة.
 
عرض وطلب موسمي في مجلس نواب الشعب، تحتد فيه المنافسة مع بداية كل دورة برلمانية جديدة ويفرز تغييرات دائمة في حجم كل كتلة بالمجلس وهي تغيرات أساسها المال واللهث وراء المناصب.
 
في هذه البلاد، عدو الصندوق حليف السلطة وبمجرد الإعلان عن نتائج الانتخابات التشريعية تطوي بعض الأحزاب ونوابها الفائزين مطويات الحملات الانتخابية وتخزَنها للاستحقاقات الانتخابية الأخرى وتنطلق بعد ذلك عمليات البيع بالمراكنة.
 
في الأثناء، تغض المؤسسة القضائية البصر عن كل هذه الممارسات رغم تحصيلها لأدلة تفتح لها باب الانطلاق في بحث قضائي على غرار ما صرح به راشد الخياري بشأن وجود سياحة برلمانية مدفوعة الأجر.
 
سلطة تشريعية يشرَع جزء منها للفساد الأعظم وتُباع في قصرها الذمم والأخلاق وتندثر داخلها القيم والمبادئ، وتعمق ممارسات بعض نوابها أزمة فقدان الثقة لدى الناخب الذي أصبح يُقاد إلى صناديق الاقتراع في بعض الأحيان بإغراءات مالية. 
 
إن حب السلطة لا يمكن أن يكون دافعا لبيع النفس والانتهازية، فمن باع ضميره لا قدرة له على شراءه مجددا، والحاكم الرخيص لا يمكن أن يكون مشرّعا ولا مربيا صادقا. 
 
في الختام، وكما يقول جورج أوروبل، الشعب الذي ينتخب الفاسدين والانتهازيين والخونة، لا يعتبر ضحية بل شريكا.
 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.