بقلم:فوزي بن يونس بن حديد
ذكّرنا انفجار مرفأ بيروت بالانفجارات الهائلة التي حدثت في نيويورك في الحادي عشر من سبتمبر، فقوّة الانفجار في لبنان تشبه قوة الانفجار التي حدثت في نيويورك أو أقل قليلا، مع الفارق طبعا من حيث طبيعته ونتائجه المدمرة، ولعل المقاطع التي تداولها الناس في العالم تبين ذلك بوضوح كيف بدأ الانفجار ضعيفا، ثم في لحظات اهتزت الأرض بمصوّريها وسكانها وكأنه زلزال عظيم أصاب المنطقة برمّتها، فما حقيقة ما جرى؟ هل هو فعلا مجرد مفرقعات كما يقوله الإعلام، أم أنه عمل إرهابي من الطراز الرفيع؟ وهل هو من إنتاج داخلي أم له أصابع خارجية خفية لتدمير البنية التحتية وإلحاق الأذى بلبنان واللبنانيين؟
ولا شك أن تداعيات هذا الانفجار هائلة على كل المستويات، فهناك ضحايا ومصابون بالمئات، وهناك خسائر بالمليارات، في وقت يعيش لبنان أكبر تحدّ، ووضعا خطيرا على كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولا شك أيضا أن هذا الانفجار ليس الأول وليس الأخير فقد شهدت بيروت انفجارات متعددة قبل ذلك لكن ما يميّز هذا الانفجار أنه كان فظيعا للغاية وكارثيّا، ولم يكن يتوقعه أحد من اللبنانيين ولا المحيطين به ولا حتى من العالم الخارجي، ورغم أن التحقيقات ستبدأ لمعرفة أسبابه بأمر من الرئيس اللبناني ميشيل عون إلا أنها ستطول وستأخذ وقتا طويلا لمعرفة ما إذا كان مفتعلا أولا، ولا شيء يدعو إلى القول إلى حد الآن أنه مفتعل وأنه عمل إجرامي متعمّد من ورائه طرف أو أطراف أخرى.
وفي الوقت الذي نعتقد وننتظر عملية لحزب الله في الأراضي الإسرائيلية أو على الحدود اللبنانية الإسرائيلية بعد التهديدات المتواصلة من حزب الله لإسرائيل، فاجأتنا الأحداث بانفجار هائل وكارثي في بيروت، وفي الوقت الذي كانت إسرائيل تستعد للرد على أي هجوم من لبنان أو سوريا يقوم به الحزب جاء التدمير من داخل بيروت، فهل يا ترى لإسرائيل صلة بهذا الانفجار العظيم الذي حدث ببيروت، وأحدث دهشة كبيرة وعظيمة في الأوساط اللبنانية المختلفة، ومَنِ المستفيد من وراء هذه العملية الضخمة، وهل يمكن للبنان بإمكاناته الضعيفة أن يكشف الحقيقة.
ولو رأينا ما حدث في الأيام القليلة الماضية من تشاحن واستعدادات على كافة المستويات في لبنان وإسرائيل والربط بين ما حدث في بيروت وهذه الأحداث، لا نستبعد أن تكون إسرائيل وراء الحدث أو الحادث الفظيع، فهي لا تتورع أبدا عن القيام بمثل هذه الأعمال الإجرامية لتحقيق مآربها الشخصية، ولا نستبعد أيضا أن تكون هي العقل المدبر والمنفذ سواء كان الفاعل من الداخل اللبناني ومواليا لإسرائيل أومن الخارج بأي من الطريق التي يمكن لإسرائيل أن يكون لها يد في ذلك، فهذا الأمر غير مستبعد فعلا خاصة إذا علمنا أن الأجواء المشحونة جدا بين حزب الله ولبنان في الفترة الأخيرة.
وما يزيد الأمر رُعبا أن الانفجار لم يكن مألوفا عند اللبنانيين ولم يشهدوه من قبل، فالخسائر كبيرة وكبيرة جدا استدعت التدخل المباشر من الدولة، والصليب الأحمر، ويزداد المشهد مأساوية عندما انقطع الكهرباء عن بيروت وأغرق المدينة في الظلام مما يصعب عملية الإنقاذ.
فالانفجار الذي حصل في مرفأ بيروت، انفجار غير عادي، استخدمت فيها مواد شديدة الانفجار، مما أحدث إرباكا كبيرا في المكان، حيث شعر سكان بيروت وفي أرجائها به، وأصبحت مدينة منكوبة بعد هذا الحادث، وتبقى علامات استفهام قوية على الحادث وطبيعته وفحواه، وأسبابه الأساسية، هل هو الإهمال من الجهات المعنية التي قامت بتخزين هذه المفرقعات بطريقة خاطئة وفي المكان غير المناسب لأنه قريب جدا من السكان، وهل تحتفظ بهذا النوع من المتفجرات شديدة الانفجار دون حماية، أم أن الأمر فيه أسرار أخرى قد تكشفها التحقيقات في الأيام المقبلة.
وعلى كل حال فإن بيروت اليوم تعيش أسوأ أيامها بعد التغيرات السياسية التي شهدتها في الأيام والشهور الماضية، والنكسة الصحية العالمية كورونا، والانهيار الاقتصادي بعد الاعتصامات والاحتجاجات الشديدة التي حدثت أيضا مما يفاقم الأزمة على كل المستويات، ويحدث ارتباكا كبيرا في حياة المواطن اللبناني وتحولها إلى الأسوأ.