“أنا وغزالي” لكافون ومنى التلمودي.. حينما تصدح ذكرى الشيخة ريميتي في أوذنة

 يسرى الشيخاوي-

غاب جسدها عن هذا العالم ولكن روحها حيّة أبدا في كلمات أغانيها الجامحة التي لا تعترف بحدود ولا ترضخ لقيود، هي الفنانة الجزائرية الشيخة الريميتي التي لا تشبه إلا نفسها، فنانة كسرت كل التابوهات وتحدّت مجتمعا سلطويا ذكوريا وغنّت كلمات ايروتيكية واحتفت بالحب والوصل.

كانت أمّية، ولكنها تؤلّف أغانيها بنفسها وتجيد الحديث عن هموم المرأة وشواغلها، كانت وطنية وإنسانية إلى حد النخاع، مسيرتها وشّحة بالالتزام والانحياز إلى قضايا الإنسان والوطن.

سعيدة بضياف التي يلقبونها بجدّة الراي وشّحت مسيرتها الفنية بهوية الجزائر وحملت في صوتها هواجسها ومعاناة الطفولة والصبا ونسجت تجربة موسيقية مختلفة ومتفرّدة وعبر جشّة صوتها تروي سنين قضّتها في العراء.

سنة ست وألفين رحلت إلى عالم آخر بعد نصف قرن من الغناء والموسيقى، صنعت تاريخ نساء جزائريات ومازال اسمها إلى اليوم رديفا للمقاومة والإصرار والتحدي، ومازالت أغنياتها ملاذا وملجأ وميناء سلام ومازلت كلماتها أخّاذة ملهمة.

"أنا وغزالي" من بين أغانيها التي تستبد بك النسوة وأنت تجول بين تفاصيلها، من الألحان التي تقتحم كيانك إلى الكلمات البسيطة ذات المعاني العميقة وصوت الشيخة ريميتي المحمّل بالمشاعر.

هذه الأغنية أغرت "الرابور" التونسي أحمد العبيدي المعروف بـ"كافون" وكانت مصدر إلهام لعمل موسيقي جديد يجمعه بالفنانة المسرحية صاحبة الصوت الجميل منى التلمودي.

"أنا وغزالي" تستمدّ خلقها من الأغنية الجزائرية وهي إهداء إلى روح الشيخة ريميتي، أغنية بإيقاع راقص تروي العشق والوجد بين حبيبين بكلمات بسيطة مستلهمة من اليومي. 

"أنا وغزالي يما في الجبل نلقطو في النوّار" تردّدها منى التلمودي بصوتها ذو الخامة الناعمة وتردّد معها ذكرة الشيخة ريميتي في ثنايا المدينة الأثرية بأوذنة قبل أن يردّد "كافون" كلمات من نفس المعجم.

أزياء تراوح بين الأبيض والأحمر في إشارة إلى راية تونس، أو ربما هي إحالة على السلام الذي يغزو العشاق عند اللقاء والدماء التي تتدفق في قلوبهم ساعات الوجد، بدت فيها التلمودي قادمة من عمق التاريخ، من قلب أوذنة المدينة الواقعة على الطريق الرومانية، طريق بمثابة الشريان  تصل قرطاج بتبوربومايوس (الفحص) مرورا بمكسولا (رادس).

وعلى هذه الطريق يمدّ "كافون" و"منى" جسرا من الحب يمتدّ إلى جيل آخر يمثّله في "الكليب" طفلان ولد وبنت يتقاسمان اللعب والمرح والضحكات ويشعّ ألق الأمل في أعينهم.

إيقاع راقص، موسيقى مفعمة بالحياة تعلو فيها أنغام "القصبة" لتحملك إلى أجواء الاحتفالات والأعراس في الأرياف، تلك الأجواء النقية الصافية التي تحلّق فيها الروح دون حواجز. 

وحينما تتماهى الألحان مع آثار البربر والرومان وزوايا المكان التي التي تحفظ حروف قصص كثيرة، قصص عن الحياة والموت، عن الحب والكره، عن البقاء والزوال، عن الإنسان في كل انفعالاته وحالاته، تفاصيل كثيرة تطالعك وأنت تلاحق خطوات منى التلمودي التي تبدو كفراشة عاشقة للحياة والحرية.

بقايا آثار، تسري بك في كل مرة إلى أزمنة خلت، إلى عهد الرومان والبربروالعرب وما قبلهم، تثير خيالك وتنسج الحكايات عن منازلها الموشحة بالفسيفساء، والكابتول والحمامات العمومية والسبل المبلّطة والأسواق ومعاصر الزيتون والكروم.

جميلة هي أوذنة وجميلة ذكرى الشيخة ريميتي حينما تصدح بين ثناياها وجميل التناغم بين "كافون" ومنى التلمودي وجميل سحر الآثار حينما يمتزج بجمال الطبيعة في إخراج يحبّق بخيالك بعيدا فتستسلم كل حواسك لإغراءات المكان.

 

 

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.