“زڨرة” لربيع العبيدي .. في رحاب موسيقى مسكِرة

يسرى الشيخاوي- 
على عقل الناي تخطّ أصابعه حكايا المحبّة والشغف والحرّية، ومن أنفاسه التي تتجاوز القيود والحدود يخلق موسيقى تنهل من موسيقى الشعوب ولا تشبهها في تفاصيلها، تتسرّب همساته وآهاته من بين الثقوب فتخترق الوجود وتغدو ألحانا تمتد بين الأرض والسماء.
زاده ناي وكثير من الإصرار وبحث عن موسيقى مختلفة تحاكي انعتاقه من كل القوالب، يحاول الموسيقي وعازف الناي ربيع العبيدي أن يشّكل ملامح مشروع موسيقي مارق عن السائد وكافر بالتصنيفات.
عند الشاعرية تلتقي أفكاره وموسيقاه، ومن الإيقاعات والألحان يشكّل ظفائر، ومن الأنماط الموسيقية المتناقضة يشكّل الجدائل، ومن الحضارات والثقافات يستدرّ الخيوط وينسج منها مشروعه الموسيقي " جدائل".
ضمن هذا المشروع يسافر بك ربيع العبيدي إلى عوالم كثيرة تعانق عبرها السلام الداخلي من خلال عادات وطقوس مغرية ومثيرة باحت الموسيقى ببعض من أسرارها في "زڨرة"، المعزوفة التي تشكّل جديلة خيوطها ضاربة في كل الكون.
وعن تسمية  "زڨرة"، يقول العبيدي إنّها تعني "الشيخة" وهي كلمة عامية تحيل إلى الثمالة والسكر والمتعة والنشوة والانتشاء، ولأن لكل فرد طقوسه في بلوغ تلك المرحلة التي 
 عرض متفرّد يحتفي بالموسيقى الآلاتية التي تحكي بلسان الحياة دون كلمات، وحتّى المغنّي محمد علي شبيل لم يكن مغنّيا بالمعنى للكلاسيكي للكلمة، إذ كان صوته شبيها بآلة موسيقية، يطوّعه مع بقية الآلات ليبدو وكأنّه بوح من عمق الكون.
عن تسمية  "زڨرة"، يقول العبيدي إنّها تعني "الشيخة" وهي كلمة عامية تحيل إلى الثمالة والسكر والمتعة والنشوة والانتشاء، ولأن لكل فرد طقوسه في بلوغ تلك المرحلة التي تنفصل فيها عن العالم المادي وتعانق فيها روحك السماء وترتمي في أحضان السكينة.
في هذه الموسيقى تحدّثت الآلات بلسان الحياة دون كلمات وروت طقوس الانعتاق والانتشاء، عوالم موسيقية مختلفة مزج بينها ربيع العبيدي بـ"ريتم" معقّد ومرّكب قد يبدو لك أنّك سمعته سابقا ولكنه مغاير.
من الموسيقى التونسية إلى الموسيقى الافريقية فالإيرانية والهندية، تتماهى أصوات الآلات الموسيقية ويتعانق الناي والطبل ويتعقّد اللحن اكثر فأكثر وتتحرّر معه روحك وانت تقلّب عينيك بين أناس يمارسون طقوسا روحانية تخلّصهم من أعبائهم.
والبناء الموسيقي في  "زڨرة" معقّد تماما كنمط تشبيك الجدائل، يتكوّن من فروع كثيرة تختزل عوالم موسيقية وثقافات مختلفة تنطلق من الموسيقى التونسية لتعانق الموسيقى الافريقية فالغربية بتلويناتها المختلفة.
وحينما يشرع الناي في بوحه تواسيه بقية الآلات الموسيقية فتروي جميعها تقلّبات الحياة ومسارات الطبيعة في هدوئها وثورتها وانفعالات الإنسان في أفراحه وأتراحه، ونغمس ربيع العبيدي ومنه آمن بمشروعه في عالم لا ولي فيه ولا سييّد سوى الموسيقى.
 وبعد تنزيل "زڨرة"، سيكون عشّاق موسيقى الشعوب على موعد مع مقطوعات موسيقية ضمن ألبوم "جدائل" يروي فيها العبيدي عشقه لموسيقى الشعوب وللموسيقى المتحررة من كل القيود.
ورغم غياب التمويل والصعوبات التي توشّح الانتاج الموسيقي، عوّل الموسيقي الشاب على إمكانياته الخاصة وتسلّح بحبه للموسيقي ليقدّم مشروعا يشبهه في تفاصيله حالم ومتمرّد ومتحرر.
وهو يعي جيّدا أن الموسيقى التي ينتجها تستهدف فئة معينة من الجمهور، جمهور يعشق موسيقى الشعوب ويفكّر عبر الموسيقى وهي موسيقى تصلح للأفلام الوثائقية لما فيها من بحث وخلق، على حدّ تعبيره.
ألحان وإيقاعات تترجم أنين الطبيعة وضحكاتها، همساتها وصراخها، بوحها وأسرارها، غضبها وهدوءها، لينها وقسوتها، تناقضات جمّة تتلاحم فتوتّر الموسيقى وتتعانق الأضداد على وقعها وتتشابك على أنغام الناي الرقيق التي تندفع بخجل فتزيّن الأثير.
وأنت تصغي إلى الموسيقى تشدّك تفاصيل الفيديو الذي أعدّه مروان الراحي في اتساق وتماه مع الموسيقى وكانت الأفلام الوثائقية عن شعوب العالم وموسيقاه مصدر للصور التي ترجمت بعض الجمل الموسيقية.
ولولا ضعف الإمكانيات لسافر العبيدي عبر العالم ليوفّر الصور التي تلائم موسيقاه، ولكن في هذه المرحلة خيّر الاستئناس بوثائقيات والتواصل مع أصحابها من اجل حقوق التأليف في انتظار أن يتغير الواقع الموسيقي ويوفر جهده في خلق الألحان لا في البحث عن فرص للإنتاج.
 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.