4
بقلم: نبيل الأحمدي
ناهيك عن الشعور بالرتابة، يعتيرك إحساس بالغربة والضياع، كلما إستمعت إلى رئيس الجمهورية قيس سعيد، الذي بات خطابه إسطوانة مكررة ومشروخة، بما أن كل الأفعال عنده مبنية للمجهول.
كنت وحتى وقت قريب أعتقد بأن هذا الشعور ذاتي وبأنه يجب منح أستاذ القانون الدستوري مزيدا من الوقت حتى يخرج من جلباب الواعظ الجامعي ويتأقلم مع بيئته ومنصبه الجديد، لكن كل ظهور للرئيس يؤكد لي أن الضجر وخيبة الأمل على الأقل من خطاباته، شعور جمعي مشترك لدى طيف واسع من التونسيين.
آخر تصريحات رئيس الجمهورية بمناسبة انعقاد مجلس الأمن القومي لم تشذ عن هذه القاعدة: حديث عن مؤامرة داخلية ومحاولة لتفجير الدولة من الداخل، واتهامات خطيرة بمحاولة الزج بالمؤسسة العسكرية في صراعات سياسية، وجهت كلها للمجهول.
وعلى غرار كل تصريحاته الأخرى فقد طرح خروج الرئيس للحديث عن تطورات الأوضاع في البلاد خاصة في تصاعد الاحتجاجات الاجتماعية في رمادة والكامور أسئلة أكثر مما قدمه من أجوبة أو استنتاجات. أسئلة عن هوية المجهولين الذين يوجه لهم الرئيس دائما الاتهامات بافتعال الأزمات واستهداف أمن الدولة وحول الغاية من ترك الأفعال مبنية للمجهول هل هو الهوس بالمؤامرة أم إدراك بقوة هؤلاء وقدرتهم على إلحاق الضرر بالبلاد وبه شخصيا وهو الذي أكد قبل أيام بأنه مشروع شهادة وقبلها بأيام بأنه يعلم ما لا يريدونه أن يعلم.
ورغم أن البعض من المتفائلين قد يجد للأمر تبريرا مفاده أن خطابات الرئيس هي رسائل مشفرة إلى جهات سياسية معينة، فإن المنطق و الواجب الوطني، يفرض على القائد الأعلى للقوات المسلحة وضامن الحريات والدستور مصارحة الشعب بما يجري وبما يدبر له بدلا من توسيع دائرة الغموض.
وعلى إفتراض أن هذه القراءة صحيحة وبأن من يقصده رئيس الجمهورية، هي حركة النهضة، التي لا يخفى على أحد حجم التباين والخلاف بينها وبين من يطلق على نفسه لقب رئيس تونس الوحيد، ألا يعلم ساكن قرطاج بأن منتقدي الحركة من أحزاب هم اليوم أكثر من داعميها وبأن مهاجمة النهضة أصبح تقليدا وطريقا سهلا للشهرة والحكم؟ فلماذا الاحجام والرهبة عن تعرية المجهول وتسمية الاسماء بمسمياتها.
متى يعلم الرئيس بأن الاطناب والاستمرار في هذا النهج سيلحق ضررا كبيرا بشعبيته المتأكلة؟ متى يعلم رئيس الجمهورية أن سامعيه كلوا وملوا من حديثه عن المؤامرات التي لا تنتهي.
متى تتحرك جحافل "الكفاءات" و"الخبراء" في مكتبه الاعلامي لتوقضه من وهم دون كيشوت، وتخبره بأن وضع الإصبع على الداء هو أول طريق الشفاء إن كان يؤمن فعلا بأن البلاد مريضة وتحتاج إلى دواء ، وبأن اللغة الخشبية الجوفاء ما عادت تستهوي لا طالب الجامعة ولا العاطل أو المحتج ولا بسطاء هذا الشعب الذين طاف بينهم طيلة سنوات في الأرياف والمدن بسيطا صريحا مثلهم.
أخشى وأنا الذي قاطعت خطاباته منذ مدة أن يعزل الرئيس نفسه بنفسه ولا يجد يوما من يسمعه غير نفسه.
سيدي الرئيس صارحنا بالله عليك من هم ؟ أو كف رجاء عن العبث بما بقي لنا من عقل .
*نبيل الأحمدي: صحفي تونسي