يسرى الشيخاوي-
تتواتر السنين ويكبر في المرء حب الأماكن التي احتضنت خطواته الاولى ومغامراته وحكاياته المبكية والمضحكة وتتعتق تفاصيلها وتغدو سكنا للروح ووشوما تسري بين العروق والشرايين.
ذكريات تراوح بين العقل والوجدان وعلى إيقاع تفاصيلها تنسج الأحلام الجميلة حتّى أنّك أحيانا تغمض عينيك مطوّلا حتّى لا تتسلل من بين أهدابك، ومن هذه الذكريات حاك الفنان سفيان سفطة ملامح عملي فنّي يتأرجح بين الجمالي والحسّي.
"لارا وبابا سالم" مشروع موسيقي جديد، أصله ثابت في التراث التونسي وفرعه يمتد إلى الموسيقى الغربية، تلوينات موسيقية جمعت "البندير" و"الزكرة" و"الغيتارة" لتتولّد موسيقى ضاربة حماسية يزيّنها الحنين والشجن.
من بنزرت إلى المنستير يروي سفيان سفطة حبّه للمدينتين على طريقته، وكانت الموسيقى رابطا مع ذكريات لا تنسى وأحلام طفولة لا تموت، ومن تفاصيل طفولته التي قضاها في بنزرت واللحظات المغرية التي عايشها في المنستير شكّل معالم عمل موسيقي متفرّد.
سلاحه إلمام بالموسيقى وبحث في التراث وكلماته وسعي وراء صورة جميلة بلا إضافات قد تفقد معناها وكثير من المحبة والشغف، ينهل من الأغاني التراثية التي سمعها في صغره ويبسط جمال المدينتين كما يراه بقلبه.
ومن سحر المدينتين استنطق الآلات الموسيقية التي وهبته ألحانا تحاكي عزف الرياح على الجدران العتيقة ومغازلة النسيم للقوارب وحكايا الشمس للطرقات وحديث السماء والبحر وصدى سحر التاريخ.
توزيع موسيقي أوجده نادر الشريف تماهى مع عمق الكلمات التراثية وجمالية الصورة ليقحمك في تجربة استيتيقية تغري حواسك بالانغماس فيها وتسافر بك الذاكرة إلى تفاصيل المكان الذي قد تكون زرته سابقا ولكنك تعيد اكتشافه من جديد على إيقاع الموسيقى.
محاولة لبعث التراث بروح جديدة تخلّد الموسيقى التونسية وتستلهم من الموسيقى الإفريقية، بصورة جعلها المخرج وسام بن مصطفى تعكس سحر تونس الكامن في كل ركن من مدنها وكان في الأزياء أيضا إحالة على البعد التقليدي والتراثي.
وفي العمل الموسيقي الجديد الذي أوجد فيه سفين سفطة نقاطا التقاء بين التجاري والفنّي، رسمت الموسيقى لوحة جميلة تمتد من بنزرت إلى المنستير، موسيقى أوجدها انصهار النوتات التي خلقتها انامله وانامل عازف الغيتار أنيس الغربي وإيقاعات مجموعة سلامية المنستير.
"في لارا وبابا سالم" يأخذك المزيج بين اللحن والكلمة والصورة إلى عمق تونس بموسيقاها الحالمة التي خلق لها سفيان سفطة أجنحة ستحررها من أسر الجغرافيا، وفيها يعلو بوح الموسيقيين كل بطريقته فتختلف التعبيرات ويلتقي الكل عند الفن الهادف.
