“كوبيت-14”.. بوح زمن كورونا

 يسرى الشيخاوي- 

بعد تجربة الوقوف عاريا في وجه الحياة، وبعد عدّ الشامات الظاهرة منها والباطنة، وبعد مواساة تفاصيل جسد موشّح بالندوب ومسامر، وبعد تشريع أبواب الذاكرة وانت تنغمس في حروف رواية "مانيفستو أيوّب أو الطريق إليّ.."، يحملك الصحفي والكاتب صابر سميح بن عامر في رحلة حكي مغمّس بالصحافة والثقافة.

تعبيرات أخرى عن الحريّة وعن السفر، يخطّها في وليده الروائي الثاني " "كوبيت-14"، بوح زمن كورونا فلولا الجائحة لما كان هذا الكتاب، إذ تحوّل حلم طفل صغير بالسفر إلى مصر إلى تجربة وجودية مفعمة بالقلق والخوف من الإصابة بالفيروس. 

ولم يكن القلق وحده سمة تلك التجربة وإنّما لولادة والخلق أيضا، ولادة رواية جديدة هي سيرة سفر صحفي ثقافي، خلقت له الكلمات أجنحة حلّق بها بعيدا حيث عانق الكتابة الوجدانية التي وسمت ما يحبّره.

 "كوبيت-14"، صدرت عن دار رؤى للنشر والتوزيع مؤخرا، وعنوانها مستوحى من الجائحة، هو مزج بين تسمة الفيروس " كوفيد" وبين " بيت" ويضيف لهما خالق الرواية العدد "14" وهي عدد أيام الحجر الصحي التي قضّاها بمنزله بعد عودته من مصر.

وإن تحقق حلم الطفل الصغير الذي خط الزمن آثاره في روحه وعلى جسده في زيارة مصر، إلاّ ان لعنة الفراعنة حلّت به هناك حينما تفشّى الوباء في مصر وتعلّقت كل التظاهرات الثقافية ليعود بن عامر إلى بلده بزيارة مبتورة لم يملأ فيها روحه بتفاصيل بلد أحبّه كثيرا.

إلى جانب العنوان المثير، يشدّك إلى الرواية غلافها وهو لوحة زيتية للفنانة التونسية شهلة سومر، لوحة بسيطة جدّا حدّ العمق مفعمة بالمعاني، تغزوها الأعين والشفاه وكأنما تلخّص كل الابتشامات والنظرات والأحاديث وتروي من خلالها تفصيل السفر المغرية.

على امتداد أكثر من 14 عشر يوما يسامر صابر بن عامر هواجسه ويعيش أضغاث أحلامه وحيدا في بيته، رضي بالوحدة القاسية لكي يحمي أهله من لعنة محتملة لا لون لها ولا رائحة ولا طعم، لعنة تصيب الروح قبل الجسد، حشب حديثه لحقائق أون لاين.

وعن تفاصيل ميلاد سيرة سفره، يشير إلى توهانه وسط أفكاره وهو لا يعلم إن كان على الأرض أو صاعدا نحو السماء وسط أيام طويلة وليال أطول فكان ميلاد "كوبيت-14" لذي تتماهى فيه ذكرياته بذكريات الآخرين التقى فيه الأمل والألم وصار السفر لعبة مدادها الناس والأقدار.

كتاب من مائة وعشرين صفحة ينشطر إلى صلاصة فصول رئيسية يراود في كل فصل منها ذكرياته ويحملك في سفر بين ثلاثة بلدان وذكريات لا تحصى، وبين " "يوميات عائد من مصر" و" بعض من لبنان" و" أبوظبي.. أرجوحة الذكريات"، تقاسم الكاتب بعضا من ذاكرته وحنينه و"أسراره". 

وفي تقديمه للكتاب خط  الناقد التونسي محمود طرشونة: "تنوّعت كتابات الذات تنوّعا كبيرا خاصة بعد توظيف الرواية لبعض عناصر السيرة الذاتية، فإلى جانب المذكّرات واليوميات، ظهرت رواية السيرة الذاتية وكذلك السيرة الذاتية الروائية. فهل يندرج هذا الكتاب (كوبيت-14، لصابر سميح بن عامر)، ضمن إحدى هذه الخانات أم له خانته الخاصة؟ إنّ بناءَه مختلف عمّا عهدناه من أبنية النصوص الروائية ونصوص السيرة الذاتية، إذ فيه مراوحة حيّة بين حاضر الحَجر الذاتي وماضي الارتحال من قطر إلى قطر عَبر ثلاثة بلدان عربية هي مصر ولبنان والإمارات، وتونس حاضرة بينها عبْر التذكّر والمقارنة والحنين".

وعن سفره ّإلى مصر يقول : "أمّا مصر فإنّ الكاتب يعترف متحسّرا أنّه لم ير منها غير "المطارات والتاكسيات وغرف الأوتيلات والمستشفيات". وهذه بالطبع غير مصر التاريخ والتراث ومصر الحياة الزاخرة بشتى الألوان والأصوات. وليكن سبب الحرمان من رؤيتها لعنة الفراعنة نشرت فيروس الكورونا فحكمت على مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية الذي سافر الكاتب لحضور أشغاله بالتوقّف، ولتبق مصر حلما من أحلام الطفولة لم يتحقّق، ولتقتصر معرفتها على بعض الأفلام المشاركة في المهرجان وعلى بعض الشخصيات الفنية، ولتتحوّل يوميات الحَجْر إلى يوميات مصر، وهات لنا مدنا أخرى يطيب فيها العيش، وتنعم بالبذخ والحريّة، وتزخر بذاكرة الكبار والكبريات: جبران، عليسة، فيروز، إنه لبنان وما يهديه للزائر من جمال الطبيعة وعريق المواقع والآثار والكهوف والجبال".

أما النبش في الذاكرة وتقليب الذكريات فيقول عنه طرشونة "وبما أنّ أيّام الحَجْر الأربعة عشر لم تنته، فليحفر الكاتب في الذاكرة بحثا عن أماكن أخرى يؤثّث بها ما تبقّى من وقت، ولا بأس من تذكّر رحلة تعود إلى 2014 إلى الإمارات العربية المتحدة بمناسبة معرض أبو الظبي الدولي للكتاب". 

"هي مذكّرات تأخذ من الفن الروائي بعض خصائصه كالعناية بالتفاصيل وتنوّع أنسجة النص، وتعدّد الشخصيات مع التركيز على شخصية رئيسية، والاهتمام بوصف الأمكنة وتحديد الأزمنة وغير ذلك. ولكن لماذا التشبّث بالتصنيف الأجناسي وهذا النص أمامك يدعوك إلى قراءته ويرافقك في رحلة الثقافة والصحافة"، هكذا يختزل الناقد محمد طرشونة فلسفة الكتاب.

ربما هو سيرة سفر، أو رواية، أو جنسي أدبي آخر يجمع بينهما ولكن الأكيد ان الكاتب صابر سميح بن عامر يخطّ لنفسه نهجا خاصا به في عالم الكتابة إذ يقول عن هذا الأسلوب "

"ربما في ذلك طموح للانفراد بأسلوب خاص، أو لنقل إلى أكثر من أسلوب يقطع مع العادي والمتعارف عليه شكلا ومضمونا في الرواية الكلاسيكية، ففي روايتي الأولى "مانيفستو أيوب" أو "الطريق إليّ.." اعتمدت ما يمكن أن يُصطلح على تسميته بالرواية/الومضة، وفي "كوبيت-14" ارتأيت الجمع بين أنماط متنوّعة من أساليب الكاتبة بين الصحافي والروائي، في جمع بين الخاص والعام، فالنص والشخص في "كوبيت-14" واحد لا ينفصل".

 

 

 

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.