وإذا سائق “انتيڨو” سئل بأي ذنب ضُرب..

 يسرى الشيخاوي- 

لا شيء يظاهي ذلك الشعور بالانتماء إلى وطن لن تشكّ للحظة أنه سيلفظك، وطن يأويك ويحتويك ويحفظ كرامتك، وطن أنت حريّته، لا وطنًا تعيش بين ثناياه وأنت تستجير في كل مرّة بيديك لتغلق بهما عينيك عن مشاهد محبطة، مشاهد لا مبرّر لها.

وبعد "قافية" "أمّك.. أمّك .. أّمّك.." التي أعقبت سيلا من السباب تمخّضت عنه قريحة أمني زمن الحجر الصحّي الشامل، وركلات "النصح" و"الإرشاد" الداعية إلى التزام المواطنين بمنزلهم، يُهدي أمنيّون صفعات أحد سوّاق " انتيڨو".

مشهد آخر مربك ومبك ومثير للحنق والسخط، يخرجه بعض الامنيّين الذين يغالون في العنف لفظيا كان أو ماديا ويقطعون السبيل أمام مواطن يحاول أن يقنع نفسه جاهدا أن الأمن جمهوري ويحترم حقوق الإنسان في أدايه مهامه.

وإذا سائق "انتيڨو" سئل بأي ذنب ضُرب.. سيجيب بأنّه ضُرب مقابل مغادرته منزله  في فترة الحجر الصحي الشامل والتزامه بالعمل في شركة آلت على نفسها ان تساعد الدولة في مكافحة انتشار فيروس كورونا من خلال توفير خدمات منزلية للمواطنين.

وإذا سئل لأي خطّية سال الدم من فمه.. سيجيب أنّه سائق يعمل زمن الكورونا ليوصل حاجيات مواطنين في الحجر الصحي، أطباء وأمنيين ومسنيّن ومرضى بترخيص من وزارة الداخلية، الوزارة التي يعود إليها بالنظر أعوان لم يمسكوا أياديهم عنه.

وفيما أعوان أمن يشجّعون سوّاق "انتيڨو" ويرمونهم بالابتسامات وهم في طريقهم إلى مستشفى عبد الرحمان مامي بأريانة، يوقف أعوان أمن في المرسى الشمالية أحدهم ويضربونه حتّى يستنطقون الدم على شفاهه.

ومرّة أخرى، يطفو جدل السلوكيات الامنية المنتهكة لحقوق الإنسان على السكج من جديد ليعيد صياغة إشكابة الأمن وحقوق الإنسان في ظل الأزمات، لا مجال للمقايضة في مجال الحقوق ولاحتكام إلا للقانون.

وإن افترضنا جدلا أن السائق أتى فعلا لم يرق لاعوان الامن، فالقانون هو الفيصل، ولكن يبدو ان بعض الأمنيين يحاولون دائما إحياء مشاهد مقبورة يستعرضون فيها "طول" أياديهم و"عرض" سطوتهم و"ارتفاع" مقدرتهم على انتهاك الآخر.

"بلادنا باهية برشا وزيد الوباء.. ونحنا نخدمو بش العباد تلتزم الحجر الصحي.. نعاونو في الدولة.ز أنا سائق في "انتيڨو"  مشيت للمرسى وعندي ترخيص من الداخلية.. مع السادسة والربع أعوان يفكولي رخصة السياقة والبطاقة الرمادية وبطاقة التعريف فسرتلو يجي عون امن يمدّ علي يديه"، هي كلمات السائق الذي كان الدم يوشّح أسنانه.

هي واقعة اخرى، تسكت كل من يبرّر عنف بعض الامنيين، وتخرس منطق الممارسات الفردية المعزولة الذي يلجأ إليه البعض كلّما مارس عون أمن عنفا ماديا أو لفظيا على مدني، وربّما هي من الأشياء التي تجعلهم لا يعودون عن صنيعهم.

وفي ظل هذا الظرف الاستثنائي الذي فرضته جائحة كورونا، أعوان الأمن مدعوّون إلى تطبيق القانون دون اجتهادات " يدوية" أو"لسانية" كي لا تتكرّر حادثة سائق "انتيڨو"، على أمل أن يتمكّن السائق من تجاوز التبعات النفسية لما تعرّض له من عنف.

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.