نصاف بن علية وشيماء العمدوني.. عن الألق الذي ينير الأزمة

يسرى الشيخاوي-
هي نصف الحياة، والبياض، والربيع، وقطرة غيث لأرض قاحلة، هي خلاصة كل الشعر ووردة كل الحريات، هي إمرأة في كل الأوقات، هذه كلمات لنزار قباني إذ يتغنى بالمرأة، المرأة التونسية التي تخلق الوجود من العدم وتقف على ناصية "الأزمة" وتقاتل".
"كل امرأة جميلة هي مسلحة بصورة طبيعية"، ومن بين أسلحتها علمها وصوتها، صوتها ثورة، صوتها صدى يتردد في ذرات الطين الذي خلقنا منه، نفحات من الجنة حملتها حواء في حنجرتها وهي تغادرها، صرخة في وجه الموت، ابتسامة في وجه القدر وتعبيرة فرح.
وفي زمن الكورونا، يتبدّى ألق ينير الأزمة ويبدّد بعضا من سوداوية الواقع الذي سكن الفيروس اللعين كل تفاصيله، هو ألق مديرة المرصد الوطني للأمراض الجديدة والمستجدّة نصاف بن علية ومترجمة لغة الإشارة شيماء العمدوني. 
إمرأتان هزّتا عرش " الفيروس" إذ تجنّدت الأولى آناء الليل وأطراف النهار لتطلع الرأي العام على كل جديد فيما آلت الثانية على نفسها أن تكون صوت من لا صوت له وسمع من خانهم السمع في الندوات الصحفية لوزارة الصحّة.
وإن تتسلل أمائر التعب من بين ملامح نصاف بن عليّة إّلا أنّها لا تسقط ابتسامتها عن شفتيها، وهي تعرض إحصاءات عن انتشار المرض وتدعو المواطنين إلى التوقّي منه فكانت ابتسامتها سلاحا في وجه الإحباط الذي يبعثه فحوى كلامها في النفوس.
ولكن في آخر ندوة صحفية مباشرة للوزارة، غمرت نبرات الحسرة صوت نصاف بن علي وتجلّت دموعها التي حاولت قطع الطريق عليها في صوتها وهي ترجو المواطنين أن يلزموا منازلهم كي لا يتكرّر سيناريو إيطاليا في تونس.
"مازال بالإمكان السيطرة على الوضع في حال التزام الجميع بالحجر الصحّي "، كلمات لفظتها بن عليّة فبدت أشبه بقائد ساعة الحرب يخفي آثار أقدام العدو المحيطة بجيشه بيديه حتى يستثير الأمل في نفوسهم، الأمل في الانتصار على عدو لا يراه.
في آخر لقاء مباشر مع الصحفيين، لم تبك عينا الطبيبة التي تقف وجها لوجه مع أخبار الفيروس اللعين وجديده ومستجدّاته ولكنّ بقى قلبها وارتسمت عبَراته في صوتها المثقل بخوفها على هذا البلد وأهله.
خطابها كان عفويا وصادقا نابعا من القلب يلامس شغافه دون إيذان، كانت كمن يخاطب أهل بيته أو عزيز عليه، كانت متحمّسة مرتبكة كأم تخشى أن يمسّ الخطر أولادها، لم تكن طبيبة أدّت واجبها على أحسن وجه فحسب بل كانت تجسيدا للإنسان الحق.
وغير بعيد عن الدكتورة نصاف بن عليّة، تقف المترجمة إلى لغة الإشارة شيماء العمدوني لتنقل إلى فئة من المجتمع خانتهم حواسهم "الجزع" من الفيروس الذي أطلّ برأسه المخيف فقلب كل الموازين في العالم أجمع.
ولأهمية لغة الإشارة لدى فئة من المجتمع حرمهم القدر من اللغة اللفظية، كانت العمدوني سمعهم وصوتهم ونقلت إليهم كل تفاصيل الندوات الصحفية حتى الجانبية منها لتؤسس لمساواة فعلية بين الأفراد على اختلافهم.
مستندة إلى حاسة البصر، ومدجّجة بنظام من الرموز اليدوية، تترجم الكلمات والمفاهيم إلى لغة فاقدي السمع والنطق، لغة يفقهونها ويتواصلون بها مع الآخر، لغة هي حقّهم الذي بسطته لهم شيماء العمدوني حينما تطوّعت لتكون نطقهم وسمعهم وتحجب بعضا من ضبابية الوضع من حوله.
وبمبادرتها، خرج فاقدو السمع والنطق من دائرة الاستثناء التي ظلّت تتسع حتّى باتت هذه الفئة شبه مغيّبة عن بعض الفعاليات، إذ تعرض لهم الجديد كل يوم ولا تكتفي بذلك بل تترجم كل ما يتعلّق بالوقاية والتوعية وخطابات الرؤساء على صفحتها.
وبين صوت نصاف بن علية الذي تسكنه رغبة جامعة في النجاة من خطر "كورونا" ورموز شيماء العمدوني التي تغمرها آمال كثيرة في غد افضل لكل التونسيين يتجّلى وجه تونس الحالم والباسم، فكونوا مثل هاتين المرأتين، كونوا ألقا زمن الازمة والزموا منازلكم !
 
 
 
 
 
 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.