الذكرى الـ64 للاستقلال.. بين الألم والأمل

مروى الدريدي-

في ظرف استثنائي لم تشهده في تاريخها، تحتفي تونس اليوم الجمعة 20 مارس 2020، بالذكرى الرابعة والستين للاستقلال، لكنه احتفال ليس كبقية الاحتفالات بعد تفشي وباء كورونا المستجد، إذ تكافح تونس على غرار بقية دول العالم من أجل الخروج من هذه المحنة بأخف الأضرار.

إذن طغت الكورونا على ذكرى عيد الاستقلال، هذا الحدث الفارق في تاريخ تونس، بعد أن أٌلغيت الاحتفالات، إذ لا تجمعات ولا فقرات تنشيطية ولا مراسم احتفال، وسيتم الاقتصار فقط على تنظيم موكب لرفع العلم الوطني بساحة القصبة من تنظيم وزارة الدفاع الوطني.

ولئن كان هذا الحدث المفصلي في تاريخ تونس ذكرى ينتظرها التونسيون ككل سنة لاستحضار نضالات الأجداد وبطولات المقاومين وتغلبهم على المستعمر الفرنسي، وفسحة للخروج والاستمتاع بمواكبة مختلف الأنشطة والتظاهرات، إلا أن هذه الجائحة رمت بظلالها على التونسيين وألزمتهم بييوتهم خوفا من التقاط العدوى.

ولكن رغم هذا الظرف العصيب والمحنة التي تمر بها تونس، ستظل ذكرى الاستقلال حية في القلوب عصية على النسيان وسينتهي هذا اليوم على أمل الاحتفال بهذه الذكرى مجددا، احتفالات تليق بتضحيات الأجداد ونضالات من دفعوا بأرواحهم ودمائهم في سبيل تحرر الوطن من قيود المستعمر.

هذه الذكرى نحييها اليوم بكل ألم بسبب الظرف العصيب الذي تعيشه البلاد بعد تفشي فيروس كورونا المستجد، لكن سرعان ما ستتجلى هذه المحنة ليفرح التونسي من جديد ويحتفل بعيد استقلاله كما يليق بهذه الذكرى، وليتحقق ذلك وليلتقي الجميع في الذكرى القادمة غير مفارقين، وجب الالتزام بالاجراءات الوقائية والتي أهمها الالتزام بالحجر الصحي وعدم الخروج إلا للضرورة والالتزام بقواعد النظافة.

20 مارس 56 تتويج لنضال شعب بأكمله

وتاريخ 20 مارس 1956 هو تاريخ الاستقلال التام عن فرنسا سبقه العديد من المحطات النضاليّة بعد فترة استعمار دامت طويلا وتحديدا منذ انتصاب الحماية الفرنسية بموجب معاهدة باردو في 12 ماي 1881، التي سمحت بخرق السيادة الوطنية والاحتلال الكامل للبلاد وإخضاع الباي للحماية الفرنسية.

وقد ظهرت بين ربيع 1952 و1954 حركة المقاومة المسلحة  التي تشكلت من مجموعات صغيرة خاضت معارك عديدة ضد الأهداف الاستعمارية وخاصة في الجنوب والغرب التونسيين قادها العديد من المقاتلين الذين دعوا بالفلاقة برز منهم الساسي لسود ولزهر الشرايطي ليكون الزعيم الحبيب بورقيبة من منفاه في جزيرة جالطة مفاوضا لفرنسا حول الاستقلال الفعلي والناجع فخرجت فرنسا عسكريا ونهائيّا من تونس.

وكانت السلطات الفرنسية تلاحق الوطنيين منظمة حملات متواصلة من الاعتقالات حيث غصّت السجون وفتحت محتشدات في سائر أنحاء البلاد وقد بلغ عدد الموقوفين حوالي عشرة آلاف شخص.

ومثّل اغتيال الزعيم النقابي فرحات حشاد في 5 ديسمبر 1952، في الوقت الذي كانت فيه اللجنة السياسية للأمم المتحدة تدرس القضية التونسية، تجاوزا لكل معايير السلوك الدولي إضافة لما يمثله من تصعيد سياسة التصلب والقمع وإطلاق العنان لاستبداد رجال الإقامة العامة وحلفائهم في المنظمة الإرهابية الفرنسية "اليد الحمراء".

وقد مثلت هذه المأساة بالنسبة للمقاومة الشعبية منعرجا حاسما. وقد تكثفت في هذه الفترة العصيبة حركة المقاومة المسلحة التي كانت تهدد الأمن الاستعماري وتلاحق المعمرين والمتعاونين مع نظام الحماية وتواجه القوات العسكرية الفرنسية.

وقد اتخذت الحكومة الفرنسية اثرها مجموعة من القرارات في نطاق ما سمته بسياسة التهدئة من بينها استرجاع السلطة الأمنية للشرطة وإلغاء الرقابة وإلغاء المضايقات بالساحل والإفراج عن عدد من المبعدين والمساجين. وخمد لهيب الكفاح في هذه الفترة التي اتسمت بالمراوغة. ولكن الحركة الوطنية اعتمدت خطة الصمود وجندت قواها لاستئناف الكفاح بعد تفطن الجميع إلى أن مشروع السلطات الفرنسية الجديد يقود إلى طريق مسدود ويضحي بمطالب الشعب من أجل استرجاع سيادته. وعادت حركة المقاومة للنشاط وتواصلت عمليات المقاومة خلال شهر جوان 1954. وبعثت هذه العمليات الرعب في قلوب المعمرين الذين أيقنوا بأن المقاومة تهدد الوجود الإستعماري وتعرقل أنشطتهم ومصالحهم كفئة محظوظة في البلاد.

وبعد سقوط حكومة منداس فرانس، رئيس الحكومة الفرنسية، واصل الزعيم الحبيب بورقيبة المفاوضات وطالب فرنسا بمراجعة الاتفاقيات في اتجاه الاستقلال التام، وتهيأت الظروف للمطالبة بالاعتراف باستقلال تونس. وسافر بورقيبة لهذا الغرض وقابل يوم 3 فيفري 1956 رئيس الحكومة غي مولي Guy Mollet الكاتب العام للحزب الاشتراكي الذي تولى رئاسة الحكومة الفرنسية يوم 31 جانفي 1956.

وتم الاتفاق على إرسال وفد للتفاوض في المطالب التونسية فافتتحت المفاوضات يوم 29 فيفري وتعثرت طيلة 18 يوما من المماطلة الفرنسية، ليتم يوم 20 مارس 1956 التوقيع على الاتفاق الذي تعترف فرنسا بمقتضاه باستقلال تونس بما يقتضيه من " ممارسة تونس لمسؤولياتها في ميادين الشؤون الخارجية والأمن والدفاع وتشكيل جيش وطني تونسي" وووقع التوقيع على اتفاق الاستقلال في 20 مارس 1956 بباريس.

وسيظلّ تاريخ 20 مارس 1956 راسخا في الذاكرة التونسية إذ يعتبر تتويجا للـنضال السياسى وحركة المقاومة المسلّحة منذ اللحظات الأولى للاحتلال، شاركت فيها جميع فئات الشعب، فدفعت أجيال كاملة من أجل "الاستقلال" التضحيات والدماء الكثيرة لتحقيق الاستقلال.

 

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.