عن النذالة زمن الكورونا

يسرى الشيخاوي-

"اغفروا لي حزني وخمري وغضبي وكلماتي القاسية، بعضكم سيقول بذيئة، لا بأس .. أروني موقفا أكثر بذاءة مما نحن فيه"، كلمات للشاعر مظفّر النوّاب تستحضرها وأنت تطالع صورا لأعضاء من حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري يقدمون مواد تنظيف وتعقيم لبعض المواطنين. 

قد تبدو مغالاة في استحضار كلمات النواب في الحديث عن هذه البادرة، ولكن تتجلّى مشروعيتها حينما ترى شعار الحزب على المواد الموزّعة على المواطنين، حتّى أنّك تخال لوهلة انّك في سياق حملة انتخابية بلدية أو تشريعية أو رئاسية.

من حيث المبدأ، لا يختلف إثنان في أهمية مثل هذه المبادرات في معاضدة جهود الدولة في التوقي  من فيروس كورونا، ويا ليت كل الاحزاب والمنظّمات والجمعيات ينسجون على منوالها، وما نيل المطالب بالتمنّي.

وبكل " وقاحة" يعرض الحزب على صفحته الرسمية وضمة تحسيسية، عفوا، إشهارية لشعاره الذي يوشّح مواد التعقيم والتنظيف، غير خجول من استثماره في معاناة الناس زمن الوباء، لتمتلئ الفراغات التي خلّفتها الدولة بما " لا يناسب".

"كن سياسيا، ثم كن إنسانا"، هي الكلمات التي تتبادر إلى ذهنك وأنت تجول بأنظارك بين صور تظهر معها الهوة بين المواطن والدولة سحيقة جدّا حتّى انّها ابتلعت إنسانية البعض، ويبدو أن الأمر لن يتغيّر كثيرا إذا ما عوّضنا مفردة سياسي بـ"نذل".

وإن ألف البعض غياب الدولة في أحيان كثيرة، غياب تختلف تمظهراته من زمن إلى آخر، وبين زمن الفيضانات والكورونا لم يتغيّر الكثير، فإنه من الصعب استيعاب فكرة أن يستثمر بعض من أهل السياسة هذا الغياب ويستغلوا وضعية الحاجة وان كانت ظرفية لأغراض سياسية وشعبوية بحتة.

والاستثمار في مآسي المواطن التونسي ليس بالظاهرة الجديدة، فهو الآخر فيروس ضرب الانسانية منذ مقتل ويظهر في كل مرّة بشكل مستجدّ تماما كالفيروس التاجي، وهو استثمار لن يؤدّي إلا لتعميق الفجوة بين المواطن والسياسي.

وأن يمضي بعض "الساسة" في سبيل الاستثمار في حاجة الناس بما لا يتواءم مع الظرفية التي تمرّ بها الإنسانية جمعاء فإن ذلك لغاية في أنفسهم، غاية لبناء متثبل سياسي على أنقاض معاناة عمّقها عجز الدولة عن اتخاذ قرارات صارمة. 

وماضرّ حزب الاتحاد الشعب الجمهوري لو قدّم المساعدات للمواطنين دون أن يضمّنها شعار حزبه، أم أنّه لا شفاء من أوبئة السياسية التي تفتك بإنسانية الإنسان، وحتما ستمر أزمة "الكورونا" ولو بعد حين ولكن لن تسقط الذاكرة ما اتاه هذا الحزب ولا غيره ممن تسول له نفسه استثمار الظرف لغايات دنيئة.

والأمر لا يتعلّق بقدح في أشخاص المنظوين تحت هذا الحزب أو قادته ذلك أن المسألة مبدئية بالأساس، ولكن إليهم وإلى كل من تخوّل له نفسه النسج على منوالهم " حاول ان تكون إنسانا أو مت وانت تحاول".

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.