قراءة في خطاب سعيد زمن الكورونا

 أمل الصامت –

لعل الأزمة التي يعيش على وقعها العالم برمته منذ بداية انتشار فيروس كورونا المستجد، جعلت أنظار الرأي العام في كل بلد تتجه نحو القرارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يمكن اتخاذها من قبل الحكومات والرؤساء لمجابهة هذا الوباء العالمية وإنقاذ الشعوب اكثر ما يمكن من تبعاته الصحية والمالية بالأساس.

الرأي العام التونسي لم يكن بمعزل عن هذا الترقب، حيث انتظر القرارات التي يمكن أن تصدر عن رئاستي الحكومة والجمهورية في هذا الإطار، خاصة بعد خروج عديد قادة الدول للاعلام من أجل الحديث عن تأثيرات الوباء الذي حلّ بالعالم والاجراءات المتبعة للحد من انتشاره مع مراعاة التاثيرات الاقتصادية على الأشخاص والشركات.

وإن اعتبر خطاب رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ مساء الجمعة 13 مارس الجاري إيجابيا نسبيا خاصة فيما يتعلق بالاعلان عن الدرجة الثالثة من الحالة الوبائية في الوقت الذي لم تبارح فيه تونس الدرجة الثانية، فإن انتظارات التونسيين كانت أكبر مع الإعلان عن خروج رئيس الجمهورية قيس سعيد في بيان يحمل اجراءات استثنائية إضافية.

ولم يخل هذا البيان من هنات سواء على المستوى الاتصالي أو السياسي أو حتى على مستوى الاجراءات المعلنة في علاقة بالصلاحيات الدستورية التي يتمتع بها رئيس الجمهورية، وفق عدد من المختصين الذين اتصلت بهم حقائق أون لاين لتقييم خطاب الرئيس قيس سعيد الذي توجه به إلى الشعب التونسي ذات 17 مارس 2020، في علاقة بمستجدات الأوضاع في ظل مجابهة وباء كورونا.

قيس سعيد بقي أسير أسلوب حملته الانتخابية

اعتبر الدكتور في علوم الاعلام والاتصال صادق الحمامي أن رئيس الجمهورية قيس سعيد بقي أسير أسلوب نجح بفضله في الانتخابات الرئاسية ولكنه لا يتلاءم اليوم مع وظيفة الرئاسة سواء على مستوى الشكل أو المضمون، قائلا إن سعيد لم ينجح بعد في تطوير أسلوب يتناغم مع وظيفة الرئاسة وزمن البحث عن هذا الأسلوب قد طال، وفق تقديره.

واشار الحمامي في هذا السياق، إلى أن تمرين الخطاب الرئاسي يبقى صعبا لعدم وجود "وصفة سحرية" خاصة على مستوى تحديد التوقيت الذي يجب أن يتكلم فيه الرئيس، إلا أنه يخضع إلى تقديرات محددة خاصة مع النظام البرلماني القائم في بلادنا والذي يمنح صلاحيات أكثر لرئيس الحكومة وبالتالي يصبح رئيس الجمهورية مجبرا على اتخاذ قرارات جدية وإضافية عندما يخرج لمخاطبة المواطنين لا مجرد الاكتفاء بالتعبير عن الشعور، حسب قوله.

وتابع قائلا: "يبدو أن رئيس الجمهورية يعيش حالة ارتباك فيما يتعلق بتغيير أسلوبه الخطابي، ويتجلى ذلك من خلال تكرار نفس المصطلحات التي اتبعها في حملته الانتخابية، كما لديه صعوبات في مخاطبة الشعب كقائد لانه يسعى إلى أن يكون في علاقة أفقية معه، ويبرز ذلك في قوله إنه لا يملك ما يفرضه على المواطن ولكنه يعبر عما يريده، في حين تفرض وظيفته الرئاسية أن يتعامل بطريقة عمودية تقوم على إعطاء التعليمات وفرض التقيد بالاجراءات".

اما على المستوى التقني، فلاحظ الدكتور صادق الحمامي، الخطأ المسجل على صعيد التأخير في التوقيت والاكتفاء بالاعلان لوقت طويل أن بيان رئيس الجمهورية سيكون "بعد قليل" وهو ما دفع إلى تحويل الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية إلى مسرح للتعبير عن السخط وحتى السخرية، وهو ما أساء إلى صورة الرئيس والاتصال الرئاسي بشكل عام، وفق تقديره.

جزء من الخطاب خالف أحكام الدستور

الأستاذ المساعد في القانون العام بجامعة قرطاج أيمن الزغدودي، يرى أن الصراع السياسي بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس نواب الشعب طغى على الخطاب الذي خالف في جزء منه أحكام الدستور خاصة عندما قال سعيد إنه يجب على السلطة التشريعية أن تضع التشريعات الضرورية خاصة على مستوى التعويض لمن تضرر من الإجراءات التي تهدف لمكافحة الوباء.

ويتجلى التعارض مع أحكام الدستور، وفق الدكتور أيمن زغدودي، من خلال عبارة "يجب" التي تفيد الأمر في حين أن السلطة التشريعية لا تأتمر بأوامر السلطة التنفيذية وتتمتع بالاستقلالية الإدارية بمقتضى أحكام الفصل 52 من الدستور التونسي.

كما يبرز هذا التعارض في طلب رئيس الجمهورية من السلطة التشريعية وضع تشريعات متعلقة بالتعويض وهو ما يمنعه الفصل 63 من الدستور الذي يعتبر أن مقترحات القوانين المقدمة من النواب تكون غير مقبولة إذا كان إقرارها يخل بالتوازنات المالية للدولة التي تم ضبطها في قوانين المالية.

واعتبر محدثنا، في هذا السياق، أنه كان من الأسلم من ناحية الذوق السياسي أن يعلن رئيس الجمهورية بأنه سيقوم بإعداد مشروع قانون يتضمن الإجراءات الحمائية والتعويضية الضرورية لجبر الضرر، ويعرضه على مجلس نواب الشعب لينظر فيه بصفة مستعجلة.

3 أولويات أساسية فشل فيها سعيد

ولخص المحلل السياسي محمد صالح العبيدي الهنات التي لفت خطاب 17 مارس في ثلاث نقاط أولها أنه كان خطابا فاقدا لتحيين علمي باعتبار أنه قدم أنصاف حلول تمثلت في إقرار حظر تجول ليلي قد يستقيم عندما يتعلق الأمر بمشاكل امنية ولكن لا جدوى منه في ظل الأزمة الصحية الراهنة، وفق تقديره.

وتمثلت النقطة الثانية في تقييم العبيدي لخطاب سعيد، في أن الشروعات النفسية التي اتبعها كانت "آوت"، حسب قوله، معتبرا انه لم يتكلم بلغة يفهمها الناس جميعا، وكان مرتبكا بطريقة تزيد من قلق المواطن لا تطمئنه مثلما كان منتظرا.

ولم يغفل العبيدي في النقطة الثالثة، عن التوقيت الذي ورد فيه بيان سعيد، إذ يرى أنه تأخر كثيرا على مستوى طرح اول خروج له وإبراز دوره الأبوي في الحالات المفصلية المشابهة، مما جعله يظهر في حالة "لا يقين" ويفشل بالتالي في إنجاح 3 أولويات أساسية لأي رئيس جمهورية في أزمات من هذا النوع، على حد تعبيره. 

لئن نجح قيس سعيد في اعتلاء عرش قرطاج من خلال أسلوبه الخطابي غير المعتاد والمتفرد، إلا أنه فشل ربما في إيجاد أسلوب بديل يتلاءم وزمن الكورونا.

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.