شاب يتساءل: هل أنا مواطن؟

  أمل الصامت –

كثيرة هي جراح المواطن التونسي في موطنه الذي علق عليه أماني كثيرة منذ نعومة أظافره، فهو الذي قيل له عنه إنه "وإن جار عليه عزيز".. هو الذي وقف له في ساحة المدرسة منذ أول يوم دراسي إجلالا وإكبارا وتغنى عنه بأبيات أبو القاسم الشابي "نَمُوتُ نَمُوتُ وَيَحْيَا الْوَطَنْ"، وإذا به يموت فعلا في اليوم ألف مرة في انتظار صحوة الضمائر التي يبدو أنها نامت نومة أهل الكهف ولن تصحو إلا في زمن لا يعلم تاريخه غير الرب.

"سامي.ز" أحد أبناء هذا الوطن المنكوب في مؤسساته، الجريح في ضمائر مسؤوليه النائمة حتى لا نقول المنعدمة.. سامي الذي بلغ من العمر 43 سنة قضى أغلبها يناشد الدولة مراعاة مرضه الوراثي المتمثل في "تخزين الجليكوجين من النوع الثالث" (La glycogénose de type3)، والذي جعله يحمل بطاقة إعاقة، ومنحه فرصة ألا يكون عالة على أحد من خلال توفير مصدر رزق يستطيع من خلاله تأمين قوت يومه وبعضا من أدويته وكثيرا من الكرامة التي لا يعرف الطريق إليها سوى من يدرك معناها الحقيقي.

6 مطالب موزعة بين بلديتي تونس والعمران الاعلى تقدم بها سامي، الذي اختار حقائق أون لاين ليتحدث عن رحلته الشاقة بين مكاتب الشؤون الاجتماعية والبلديات، من أجل الحصول على رخصة "كشك" منذ سنة 2013 وإلى غاية سنة 2018، جوبهت جميعها بالرفض معللة في كل مرة بنفس السبب القائل "الملك العمومي بلغ نسبته القصوى"، وهو ما كان يدفعه دائما للتساؤلّ: "إذا كانت فعلا هذه هي الحقيقة فمن أين يأتي آخرون حتى ممن لديهم موارد رزق قارة برخص مشابهة؟"، وهو موضوع آخر يطول الحديث فيه إذ يتعلق ربما بشبهات فساد في البلديات تخص إسناد الرخص لغير مستحقيها.

ولعل مرض سامي الذي يفرض عليه عدم بذل مجهود جسدي كبير هو الذي جعله يفكر في هذا المشروع الذي لا يعد حلما بقدر ما هو انصياع لقدر حتمته الطبيعة في بلد لعل أصحاب القرار فيه، أو بعضهم، لا يؤمنون بدورهم في تقليص حجم القسوة التي قد تفرضها الأقدار على المواطن الذي هو إنسان بدرجة أولى وليس مجرد ملف.

مطلب آخر تقدم به محدثنا سنة 2018، لمصلحة الشؤون الاجتماعية بحي الخضراء للحصول على دراجة نارية ثلاثية (tricycle) تساعده على التنقل وجمع ما تيسر من القوارير البلاستيكية وضمان دخل حتى وإن كان محدودا فهو أكرم بالنسبة إليه من أن يكون عالة على والده أو أي من أشقائه.

وكسابقيه يبدو أن أمد الإجابة على هذا المطلب سيطول ومازال سيكبد صاحبه عناء التنقل ذهابا وإيابا إلى "حي الخضراء"، حتى وإن كانت الإجابة "معادش تعب روحك وتجي وتطلب تو نحنا نطلبوك"، فهو لا يريد سوى إجابة مقنعة وموعدا محددا للرد على طلبه سواء كان بالرفض أو القبول درءا لحرق الأعصاب كل يوم، حسب تعبيره.

وعبر حقائق أون لاين لا يريد المواطن "سامي.ز" إحسانا من أي طرف، فهو يريد فقط أن يحس بمواطنته في بلده.. يتطلع إلى أن يتمتع بحقه الدستوري المنصوص عليه في الفصل 48 من باب الحقوق والحريات، وأنه "لكل مواطن ذي إعاقة الحق في الانتفاع، حسب طبيعة إعاقته، بكل التدابير التي تضمن له الاندماج الكامل في المجتمع، وعلى الدولة اتخاذ جميع الإجراءات الضرورية لتحقيق ذلك".

لا ينكر أحد أن القوانين والتشريعات في مجال حقوق الانسان شهدت تطورا ملحوظا في تونس، إلا أن اغلبها بقيت حبرا على ورق، فمحدثنا وغيره كثيرون يواجهون صعوبة في الاندماج الكامل في المجتمع من خلال "تكافئ الفرص ونبذ كل أشكال الإقصاء والتهميش وإذكاء روح التضامن والتكافل بين مختلف الفئات الإجتماعية والجهات والأجيال وترسيخ مبادئ حقوق الإنسان في مفهومها الشامل، كضامن للتوازن والسلم الإجتماعيين"، والتي هي عبارة عن ثوابت وقيم وضعتها وزارة الشؤون الاجتماعية للنهوض الاجتماعي، مثلما هو موثق على موقعها الرسمي.

 

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.