يا صُحفيّي العالم.. أنفذوا!

بقلم أمل المكي-

عندما تحدّثت عن تجربتي في استخدام قانون النفاذ إلى المعلومة في الصحافة الاستقصائية، في إطار إحدى جلسات المؤتمر العالمي للصحافة الاستقصائية بهامبورغ أواخر شهر سبتمبر الماضي، صفّق الحضور لتونس… هذا البلد الصغير الذي استطاعت فيه صحفية شابّة أن تطالب وزارة الداخلية بتقديم معطيات حسّاسة عن الإجراء الحدودي S17 ثمّ أن تقاضيها لدى هيئة النفاذ إلى المعلومة وتربح القضية!

لكن القصة لم تنته عند ذلك الحدّ. تقارير هيئة النفاذ إلى المعلومة تشير إلى أنّ كثيرا من الإدارات التونسية ما تزال تلتفّ على حق الصحفي في الحصول على الوثائق والمعطيات الرسمية وبالتالي تصادر حق المواطن في الحصول على المعلومة. وحتى نواسي أنفسنا، فمن الإنصاف أن نذكر أنه من خلال التجارب الأخرى التي عرضت يومها في جلسة النفاذ إلى المعلومة حول العالم، لم يكن وضع تونس أسوأ من كثير من الدول التي تسبقها أشواطا في الشفافية والديمقراطية. 

أكثر من 8 مليون وثيقة رسمية تتعلق بالصحة تم الحصول عليها عبر تقديم أكثر من 1500 مطلب نفاذ إلى المعلومة في 36 دولة عن طريق أكثر من 250 صحفيا شاركوا في التحقيق الاستقصائي العالمي "ملفّات الزرع الطبي". وتطلّب الأمر سنتين من التقاضي بمراحله الكاملة في دولة مثل كندا مثلا للحصول على المعلومات المطلوبة. أمّا في المكسيك فلم تجب الجهات الرسمية سوى على 44 مطلبا من أصل 964 مطلب نفاذ تقدّم به الصحفيون المشاركون في التحقيق. 

ويعدّ "ملفات الزرع الطبي" أوّل تحقيق عابر للحدود يستخدم الصحفيون الاستقصائيون المشاركون فيه قوانين النفاذ إلى المعلومة في بلدانهم بشكل ممنهج من أجل الحصول على وثائق رسمية.  وهو تعاون يأتي في سياق صحفي عالمي يتّجه نحو تكثيف التعاون بين الصحفيين من مختلف دول العالم للاشتغال كل مرة على موضوع معيّن بغية تعرية فساد أو كشف انتهاك لحقوق الإنسان. فالتعاون بدلا من المنافسة هو الاتّجاه الجديد الذي سلكته الصحافة الجادّة على مستوى العالم، ولا غرو أن تحثّ ماريا ريسا، المتحدثة الرئيسية للمؤتمر من الفلبين والمؤسسة لموقع رابلر، في كلمتها الحشد الهائل من الصحافيين الاستقصائيين المشاركين والبالغ عددهم 1700 صحفي على “التعاون، التعاون، ثم التعاون "…

ولأنّ النفاذ إلى المعلومة حق من بين حقوق الإنسان الأساسية، ولأنه على الصحفي التونسي اليوم أن يعي ضرورة تكثيف استخدام هذا الحق لممارسة "سلطته" والقيام بواجبه تجاه المواطن، فإنّني أضع بين أيدي زميلاتي وزملائي بعض النصائح والتوجيهات (لغة انجليزية) التي يمكنهم توظيفها لحسن استخدام آليات النفاذ إلى المعلومة في عملهم الصحفي. وأهمها معرفة المعلومة المحددة المطلوب الحصول عليها والهيكل/المصلحة المحددة التي تمتلك تلك المعلومة داخل الإدارة، وتجنب صياغة المطلب بشكل يجعله يتعارض مع قانون حماية المعطيات الشخصية…

كما وضعت الشبكة العالمية للصحافة الاستقصائية مجموعة من 8 نصائح يمكن للصحفيين الاستقصائيين العمل بها للاستفادة من قوانين النفاذ إلى المعلومة في بلدانهم. وهي: التخطيط المسبق، تجريب طرق سبل أخرى، معرفة مكان وجود المعلومة داخل الإدارة، مراجعة القوانين المحلية، طرح أسئلة دقيقة (في المكان الصحيح)، البقاء على تواصل مع الجهة المعنية، استئناف المطلب والاعتراض على الرفض، أكتب عن معركتك مع النفاذ سواء ربحتها أم لا. 

وجدير بالذكر أن المؤتمر العالمي الحادي عشر للصحافة الاستقصائية قد انتظم بهامبورغ، ألمانيا من 26 إلى29 سبتمبر 2019 بمشاركة أكثر من 1700 صحفي من حول العالم، بما جعله أكبر تجمّع دولي للصحفيين الاستقصائيين في العالم.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.