مهرجان “توماست”.. حينما ترتق الموسيقى الأمازيغية جراحا مفتوحة

 يسرى الشيخاوي-

في ليبيا دماء لم تجف بعد، وفي الجزائر حراك لن تنقطع أنفاسه، وفي تونس غموض لا ينجلي، وفي تونس التي تجمعها مع ليبيا والجزائر أشياء أبعد من الحدود وأبعد من العلاقات الديبلوماسية، هي الهوية والتاريخ والدماء أيضا.

في تونس التي يعني اسمعها "مفتاح" شمال افريقيا بدت ملامح مهرجان "توماست للموسيقى الأمازيغية" جميلة جذّابة كملامح إمرأة أمازيغية تزيّنت بنظرة ساحرة وبوشم وحلي وكانت الموسيقى الأمازيغية مفتاحا لبوابة تأخذك إلى عوالم الفرح والنشوة.

وبمسرح نجمة الشمال بالعاصمة التونسية، حضرت الثقافة الامازيغية التي لا تشبه غيرها، ألوان تحاكي الحياة في كل انفعالاتها ووشم يروي حكايا النسوة وحلي يخلق موسيقى إن هن تحرّكن، وتسللت موسيقى الامازيغ وكلماتهم لتخترق الأرواح وتتجاوز جدران المكان.

فنانون أمازيغ من بلدان افريقية مختلفة، من تونس وليبيا والجزائر والمغرب والنجير ومالي، فنانون مرّروا عبر الكلمة واللحن رسائل عن السلام والحب وعن الرقص على الجراح وعن خلق الفرح من رحم الوجع.

"أزول فلاون" وهي تحية السلام بالأمازيغية كانت كلمة السر في مهرجان توماست تسمعها من الفنانين إذ اعتلوا الركح ومن أولائك العاشقين للثقافة الأمازيغية يقولونها إذ ردوا التحية على الفنانين أو التقوا صديقا.

وفي مسرح نجمة الشمال، رفرف العلم الأمازيغي وأعلام تونس وليبيا على إيقاع الموسيقى التي نجحت فيما فشل فيه الحكّام، موسيقى جمعت التونسيين والجزائريين والمغاربة وكانت ألحانها عنوانا للحمة والتماسك حتّى أنّك لا تميز بين الجنسيات حينما يتماهى الجمهور مع الألحان والكلمات الأمازيغية. 

ولأن دماء شهداء الصراعات في ليبيا لم تجف بعد، فإنّ مهرجان توماست للموسيقى الأمازيغية لم ينس الحديث عن هذا المصاب وعم الصمت في القاعة من اجل شهداء ليبيا وأرواح كل اللذين رحلوا في سبيل الحرية.

ولكنّ دقيقة الصمت لم تكتمل وسط وشوشة الدمهور المتعطّش للألحان والكلمات الحالمة، ومن المفارقة أن تكون البداية مع مجموعة "كاباو" الليبية، المجموعة التي بثّت الفرح في المسرح وجعلت الكل يتمايل على إقايقاعاتها وأنغامها.

"مزود" و"طبل" بأحجام مختلفة، زاد أعضاء الفرقة الذين عبّروا بأجسادهم عمّا يختمر في أعماقهم، اصطفوا جنبا إلى جنب وساروا في خطوات متناسقة وكأنهم ينشدون الوحدة وداروا حول أنفسهم كمن يبحث عن الخلاص ورفعوا أقدامهم عن الأرض وكأنهم يعانقوان السماء. 

وأنت تتجول بين ابتسامات العازفين تلاحق خطواتهم وهم يرقصون تسافر بك الأفكار إلى ليبيا حيث بات الحرب موسيقى الليبيين والموت رقصتهم إلى حين، ولكن الزغاريد التي تملأ الأرجاء تعيدك إلى حيث أنت فلا تملك إلا أنّ تصفق حبّا وألما في ذات الآن.

والموسيقى الأمازيغية لا تروي النضالات والكفاح والتاريخ فقط وإنما هي أيضا تحكي أساطير جميلة كتلك التي تحملها كلمات " بابا اينوفا" كلمات جميلة زادها صوت اسمهان سيمون واحساسها جمالا وصارت أروع حينما ردّدها الجمهور في المسرح.

"نور الدين" و"كريم" و"اسمهان" و"انانا كال اسوف" و"كريس دار" و"كادر" و"دانيا" فنانون من دول مختلفة روى كل منهم حكايات الأمازيغ في احتفالات رأس السنة الأمازيغية، فتعدّدت اللهجات وكان العنوان واحدا وهو الانتشاء.

ورغم التأخير الذي شاب انطلاق فعاليات مهرجان توماست للموسيقى الأمازيغية في دورته الأولى، فإن الهوية كانت صارخة والموسيقى الأمازيغية صنعت "أمة" تشبها، أمّة وهوية وهو ما تعنيه كلمة "توماست" بلغة الطوارق.

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.