المنستير في العاصمة.. حينما يتعانق التاريخ والفن في أروقة مدينة الثقافة

 يسرى الشيخاوي- 

 على امتداد شارع محمد الخامس بالعاصمة يتردّد صدى ايقاعات ماجورات قصر هلال، ايقاعات تبعث الدفء في النفوس وتغري المستمع إليها بتتبع أثرها متحدّيا زخات المطر التي تنذر ببكاء متواصل للسماء.
وانت تقتفي أثر الموسيقى تجد نفسك أمام مدينة الثقافة ويطالعك مجسّم لرباط المنستير به منفذ يشد أنظارك إلى الماجورات يرقصن على إيقاعات صاخبة كالحياة ويرمين العصي حتّى تكاد تعانق السماء ويلتقطنها بكل ما أوتين من رشاقة.
أزياء بيضاء وحمراء تحيل إلى الراية التونسية، ووجوه ضاحكة مستبشرة تزيّن الطقس الغائم، ومن ماجورات قصر هلال إلى ماجورات المكنين تغير الزي وظلّت الألوان واحدة والفرح واحدا والحماسة واحدة.
فيما عشرات الأشخاص يتحلقون حول الماجورات ويتمايلون على ايقاع موسيقاها، تتزيّن أروقة مدينة الثقافة ببعض من تاريخ ولاية المنستير وبعض من الفنون التي بث فيها أبناء الجهة بعضا من أرواحهم.
ما إن تطأ قدماك بهو مدينة الثقافة حتّى تشدّك ألوان الّأزياء التقليدية تختال بها عارضات أزياء على سجاد أحمر وغير بعيد عنها تغازلك "الفرملة" بتطريزها اليدوي وتغريك ألوانها بالاقتنراب منها وتفحص رسومها.
التطريز.. أسلوب حياة 
أقمشة "موبّر" حمراء وخضراء تزيّنها انامل النسوة بخيوط الفضة و"العدس"، وهي تتجاوز مجرّد كونها قطعة لباس بل هي جزء من كينونتهن وامتداد للتاريخ وتعبيرة عن وجودهن، هي باختصار أسلوب حياة يحاكي جمال الألوان.
وعن التطريز بالفضة و"العدس" تقول سميرة الزرقا، وهي أصيلة منطقة البقالطة من ولاية المنستير إنّها ألفت التطريز منذ أن كانت طفلة إذ تعلمته عن والدتها وصار جزءا لا يتجزّأ من يومها.
حلي تقليدي و"فرملة" طرّزتها بيدها وكحل يزين عينيها، تعانق محدّثتنا موروث بلدتها وتنكب على "القرقاف" وتخط عليه رسوما جميلة مازالت تحافظ عليها مع إضفاء لمستها الخاصة على التطريز وهو ما مكّنها من المشاركة في عديد المعارض، وفق قولها.
وغير بعيد عن رواق التطريز بالفضة "والعدس"، رواق للتطريز بـ"التل" وهو خيط تزيّن به النسوة القماش "غرزة" تلو الـ"غرزة" كما تعلمنها من أمهاتهن أو جداتهن، وفق حديث الحرفية ماجدة وهي أصيلة مدينة طبلبة.
وإلى جانب الزي التقليدي الذي ترتديه النساء في المناسبات، طوّعت الحرفية "غرزة البرمقلي" لخلق أحذية وحقائب تمتد في التراث وتواكب العصر بتطريز يحافظ على ألق الخصائص التقليدية، وهي أيضا سمة من سمات النسيج اليدوي في المنستير.
النسيج اليدوي.. حكايا الخيوط 
وفي ركن يعبق برائحة التاريخ يطالعك النول التقليدي متجمّلا بالخيوط البيضاء التي تروي حكايا النساجين على مرّ السنين، خيوط تتجاوز المادي لتصبح لها روح يستكين إليها النساج ويصنع منها قطعا لا شبيه لها.
"دف" و"بقاري" و" نير" و"مطوى" و"درابي" و"فحل" و"فرس" و"عوارض"، يلامس الحرفي في النسيج اليدوي صابر معطاء الله النول ويسمي  أجزاءه التي صارت جزءا ن يومه ومن حياته، فهو يألف النسيج منذ صغره.
متنمسكين بأسس النسيج التقليدي، يصير الحرفيون خيوط القطن أوشحة و"فوطا" وزرابي وستائر تعبق برائحة الماضي ولكنّها تمتد أيضا في الحاضر من خلال إضفاء ألوان أخرى عليها واعتماد رسومات مختلفة وهو ما يجعلها محل إقبال من الحرفاء، وفق قول معطاء الله.
الفخّار.. عود إلى الأصول 
غير بعيد عن رواق النسيج اليدوي رواق لصناعة الفخار فيه أوان للطهي والزينة هي عصارة فكرة أوجدتها قريحة منى نمالة المتحصلة على ماجستير دولي في التنمية المستدامة وكان هاجسها العود ّإلى الأصول في صناعة الفخار.
وعن هذه الفكرة، تقول نمّالة في حديثها مع حقائق أون لاين، إن الفكرة وليدة ملاحظتها أن الحديث عن صناعة الفخار لا يشمل النساء في عميرة الحجاج التابعة للمكنين وان لا صدى لمنتوجهن، وفق تعبيرها.
وتسويق الفخار في عميرة الحجاج يكون بطريقة عشوائية وهو موجّه في الغالب لحرفاء من الجزائر أو ليبيا  بأثمان بخسة لا تضاهي التعب والمجهود الذي تبذله النسوة لصناعة آنية من الفخار، حسب قولها.
وفكرة مشروعها تقوم على الاهتمام أكثر باللمسات النهائية والعودة إلى التقنيات القديمة في صناعة الفخار و الاستغناء عن التزيين بالدهن والابتعاد عن المواد الكيميائية التي من شأنها ان تضر المنتوج ومستعمله، وفق حديث منى نمالة التي اكّدت انها ستبعث نقطة إنتاج لمواد أولية تونسية تكون اللبنة الاولى لمشروعها ذو البعد الاجتماعي ذلك أنه يضمن الاستقرار للحرفيات.
زيت الزيتون والبسيسة.. رؤية أخرى 
وفي تظاهرة أيام الجهات، كانت المنستير ضيفة مدينة الثقافة بفنونها وعاداتها وتقاليدها وأكلاتها وحضرت"البسيسة" وزيت الزيتون في حلة قديمة ضاربة في التاريخ وحلّة جديدة تواكب العصر.
وفي رواق مخصص لعرض زيت الزيتون المعلّب يشدّك التعليب الفاخر للقوارير، تعليب تقول عنه مسؤولة التسويق في إحدى شركات الزيوت التي يعود تأسيسها إلى سنة 1928 إنه يعكس شغفا بالزيوت.
وفي الجيل الرابع للشركة، يتجاوز زيت الزيتون كونه منتوجا غذائي ليصبح أسلوب حياة وفن، مما جعل الاهتمام ينصب على التعليب الجميل الذي يحاكي جودة الزيوت التي تنتجها الشركة ويجسّد فكرة قائمة على أننا لا نأكل زيت الزيتون فقط بل نهديه أيضا، وفق قول المسؤولة عن التسويق. 
وغير بعيد عن علب زيت الزيتون الجميلة، يشدّك رواق تجمّل بقطع الشكلاطة وباقترابك منه تجد نفسك اما رؤية أخرى للتسويق للبسيسة إذ ان قطع الشكلاطة محشوّة بهذا المنتوج المحلّي الذي طوّعته جودة اللمطي لتؤسس لمشروع متفرّد.
والبسيسة المغلّفة بالشكلاطة موجّهة للأطفال الذين يعزفون عن أكلها كما يوجد منها تركيبة خاصة لمرضى السكري ولمن يتبعون حمية غذائية خاليىة من الغلوتين، وهي منتوج يحظى بالإقبال في الداخل ويعتمد الحرفاء في المناسبات وصاحبته تسعى اليوم إلى أن تروّج له في الخارج، وفق حديثها.
للفنون التشكيلية نصيب..
وفي يوم الجهات الخاص بولاية المنستير كان للفن التشكيلي نصيب من المعارض حيث تجمّلت اروقة مدينة الثقافة بأعمال فنية أوجدتها انامل فنانين تشكليين أصيلي ولاية المنستير ، ومن اللوحة الزيتية التي خلقتها أسماء البرقاوي إلى البورتريهات التي أوجدها علي البرقاوي لوجوه سياسية وثقافية.
فنون تشكيلية ومنحوتات ووأزياء تقليدية وموسيقى وعرض كوريغرافي واستعراض فرسان ومعارض وإبداعات، كانت بعض ملامح حضور "بروسبينا" كما يسميها الفينيقيون في مدينة الثقافة حيث تعانق التاريخ والفن في كل الزوايا والتفاصيل.
 
 
 
 
 
 

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.