مخاض الغنوشي وولادة الجملي

بسّام حمدي-
يترقب التونسيون ميلاد الحكومة الجديدة التي ستفرزها طبيعة التحالفات بين القوى السياسية وستنتجها المحادثات بين قادة الأحزاب المتصدرة لنتائج الانتخابات التشريعية 2019 بناء على محاصصات وتوافقات تضع مسألة تقاسم الحقائب الوزارية كأولوية مطلقة تمنح مطلقي الوعود الانتخابية تذكرة الوصول إلى قيادة الحكم.
مسار عقيم ومشاورات مطولة ومتنوعة تتعلق بتشكيل الحكومة الجديدة تختلف عن باقي المشاورات التي جرت سابقا عقب كل انتخابات تشريعية، وتتغير تفاصيلها ومحاورها مع كل تغير يحصل في مواقف الأحزاب المعنية بالمشاركة في الحكم، فبالموازاة مع لقاءات رسمية يجريها رئيس الحكومة المكلف دستوريا بتشكيل الحكومة، الحبيب الجملي، يعقد رئيس حركة النهضة محادثات غير معلنة مع رؤساء الأحزاب لإعداد تركيبة الفريق الحكومي الذي سيقود البلاد خلال الفترة النيابية القادمة (2019-2024).
مشاورات موازية أخرى لمحادثات الجملي، برزت بعد انسداد أفق التوافق بين أحزاب النهضة والتيار الديمقراطي وحركة الشعب، أطلقها النشطاء السياسيون جوهر بن مبارك والحبيب العجيلي وهيثم القنوني، قبلها رئيس الحكومة المكلف مكرها متطلعا أن تيسر له مهمته التي اصطدمت بتباعد المواقف بين القوى السياسية ذات الأوزان البرلمانية المتقاربة.
وبعد إعلانه الاعتراض على إجراء لقاءات موازية للتي يجريها في دار الضيافة بقرطاج، دفعت الخلافات بين الأحزاب الحبيب الجملي إلى قبولها وأن يترقب نتائجها ليذهب بها إلى مجلس نواب الشعب لمنحه الثقة وفريقه الوزاري الذي ستجدده خيارات راشد الغنوشي ومحمد عبو وزهير المغزاوي.
وفي أول أيام توليه مسؤولية الحكم، سحب رئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي، البساط من تحت الحبيب الجملي وتقمص دوره وافتك صلاحياته الدستورية، وبات الشيخ المخضرم محركا رئيسيا لفعاليات وتطورات الصراع المتعلق بتقاسم أعباء الحكم، وظل الشخص المكلف دستوريا بتشكيل الحكومة مجرد يافطة دستورية تحدد خياراتها التوافقات الحزبية رافضا الإفصاح عن حجم الضغوط التي يمليها عليه الحزب الإسلامي الذي رشحه لهذه الخطة وتفرضها عليه أحزاب التيار الثوري.
مخاض عسير فُرض على حركة النهضة التي حلت الحزب الأول في الانتخابات التشريعية بفوز منقوص، يجابهه الغنوشي بأوراق سياسية ويعتمد فيه على عدة بدائل تأخذ بعضها بعين الاعتبار عدم تفريط النهضة في حقيبة الداخلية لفائدة حزب آخر وتفتح الباب للتحالف مع حزب قلب تونس وأخرى تفرض عليه الانصياع الى قرارات مجلس شورى الحركة المصرة على اقصاء من أسموهم برموز العهد السابق من الحكم .
وعلى ضوء هذه البدائل، يدير الغنوشي اتصالات مع حزبي التيار الديمقراطي وحركة الشعب، واضعا حزب قلب تونس ورقة بديلة قد يضمن بها الأغلبية البرلمانية في حال تمسك محمد عبو بمنح حزبه وزارة الداخلية وربما يعلن في آخر أيام الآجال الدستورية التحالف معه متذرعا أمام أنصار حزبه بالإكراهات  السياسية.
وسيتولد عن كل هذه المشاورات الموازية تركيبة الائتلاف الحكومي وتشكيلة حكومة الحبيب الجملي وسينتهي مخاض المشاورات الموازية بولادة حكومة الجملي استباقا للمرور لفرضية  تكليف رئيس الجمهورية قيس سعيد شخصية أخرى بتشكيل حكومة.
سياسة تقبل كل هذه التمظهرات ودستور يفرضها و يفرض على الحبيب الجملي تحمل المسؤولية الكبرى في إذابة الخلافات بين الأحزاب وتكوين فريق قادر على مجابهة تحديات اقتصادية واجتماعية حادة أفرزتها السنوات العجاف التي تلت ثورة 2011.
مشهد سياسي وبرلماني، قد يكون بمثابة درس للناخبين لتحديد خياراتهم في الانتخابات التشريعية القادمة لتجنب اختيار برلمان فسيفسائي التركيبة فيقبل على انتخاب قوى بعينها تقدر على تكوين حكومة بعيدا عن منطق المحاصصة الحزبية.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.