يسرى الشيخاوي-
بعد ثلاث سنوات من الغياب يتعود تظاهرة الكثبان اللكترونية لتبعث روحا جديدة في صحراء " عنق الجمل" حيث مرّ الفيلم العالمي " حرب النجوم" ومازال "الديكوور" يخلّد مروره.
هي فكرة لا تخلو من الجنون الفني، تعانقت فيها الكثبان الرملية التي تزيّن الصحراء والموسيقى الالكترونية التي تزخر بالحماس ومن هناك تشكّلت ملامح الكثبان الالكترونية، تظاهرة لإحياء الصحراء بمبادرة من دار "Hi Life" وشركة "Panda Events" بالشراكة مع وزارة السياحة والصناعات التقليدية.
ثلاثون ساعة متواصلة من الموسيقى، موسيقى الكترونية عينا على تجارب فنانين تونسيين وعالميين، موسيقى تغادر العلب الليلية لتعانق الصحراء والسماء وتحرّك الأجساد والرمال على وقع ذبذباتهها.
وتظاهرة الكثبان الالكترونية تظاهرة فنية اختلفت فيها الموسيقى رغم قدومها من نفس العالم، وفيها رسم كل فنان ملامح تجربة موسيقية وأحيانا ذاتية يعاند فيها علو صوت الألحان حماسة محبّي هذا النوع من الموسيقى.
ومن الأطر الضيقة، والفضاءات المغلّفة بالحيطان، ارتمت موسيقى "العلب" في أحضان الصحراء وخلقت لأصواتها أجنحة تعانق عنان السماء، وتزين تفاصيل الصحراء بصخب الحياة وحماسة الوجود.
موسيقيون من بينهم حازم بالرابح وعلي مرابط و"بنجامين" و"لاولا" و"لوسيانو" ونسيم قستلي و"فاتاستيك توين" و"ساما" و"شامان"، شكلوا معالم النشوة في ثنايا الكثبان الرملية وأغواء الأجساد بالرقص فتراوحات حركاتها بين التمايل ذات اليمين وذات الشمال أو القفز عاليا في محاولة للتحرر من الجاذبية.
تعبيرات مختلفة وحركات تختلف من فرد إلى آخر، ولكنّها تلتقي في نهاية المطاف عند التفاعل مع الموسيقى الالكترونية التي تجاوز صداها كل الحدود، موسيقى امتدّت من الصحراء إلى السماء وقارعت البرد القارس.
في عنق الجمل كان المساء باردا، باردا جدّا حتّى أنّك تعجز عن تثبيت قدمك على الارض وأنت تتجه نجو منصة العروض الموسيقية، ريح صرصر تخترق مسام الجلد وتختلط بالدماء حتى تتخثر ويسري الخدر في كل الجسد فلا اتوى حتى على تحريك أناملك، ولكنّما سرعانما تتناساه حينما تترنح أنظارك بين رقصات الحشود.
ورغم البرد وبعض الهوامش الأخرى التي من شأنها ان تعمّق الإحساس به، إلا أن تظاهرة الكثبان الالكترونية كانت أيضا تجربة إنسانية ومواطنية وجماعية، وبعيدا عن كثبان الموسيقى التي زيّنتها ثلاثون ساعة من الموسيقى، تجسّدت الكثبان الخضراء عبر التفكير في البعد الايكولوجي.
وبغض النظر عن بعض تجليّات سوء التنظيم التي تتعدّد أسبابها، فإن تظاهرة الكثبان الالكترونية جمعت بين الفني والإنساني وما بينهما من أبعاد روحية رسمت ملامحها صحراء عنق الجمل بامتدادها البهي.
وفيما النجوم تغازل القمر الذي تربّع في قلب السماء، وفيما خيوط الضوء المنبعثة من منصة العروض تتمدّد لتصافحه، ترقص النيران المشتعلة على صفحات الكثبان الرملية وتهتز الأجساد على وقع عناق الموسيقى والصحراء، عناق يخلق فسيفساء من الأصوات والألوان ويحرر الأجساد والأرواح.