بين الرئيس والبرلمان.. شرعية من ستنتصر؟

 وسام حمدي-

 

عندما طرح الرئيس التونسي الجديد قيس سعيّد برنامجه الانتخابي القائم على مقترحات وأفكار وليس وعودا، مثلما قدّم ذلك بنفسه لجمهور الناخبين، كان الرجل يعلم، بحكم درايته وهو المتمرّس في القانون الدستوري منذ عقود، أن الحل والربط في أي من القضايا التي تهم التونسيين لا يمكن تمريرها إلا بعد الرجوع للبرلمان.
لقد رفع سعيّد المتحصل على ثقة قرابة ثلاث ملايين ناخب، سقف إنتظارات التونسيين وخلق مزاجا شعبيا جديدا قوامه -وفق ما ترجمته  الهبة الشعبية التي نزلت للتصويت لفائدته في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية- ، الحنين إلى منصب الرئيس بعدما تاه التونسيون طيلة ثماني سنوات في نظام سياسي شبه برلماني لم ولن يمكّنهم لا اليوم ولا غدا من معرفة من يحكم تونس تحت الضوء ومن يحكمها في الغرف المظلمة ومن وراء الستار.
إن عنوان المعركة القادمة في الخمس سنوات المقبلة، سيكون بامتياز وبلا أي شك متمحورا حول معركة "الشرعية". فقيس سعيّد ورغم إدراكه التام أن السلطة الحقيقية هي بيد البرلمان، لا بيده ولا بيد مؤسسة الرئاسة المحصورة مهامها في السياسة الخارجية أو الأمن القومي، أخذ يقدّم للناس أفكارا وبرامج وفي مقّدمتها تغيير شكل النظام السياسي لا يمكن أن تمر دون الرجوع إلى البرلمان وهو ما يتطلب منه آليا إحاطة نفسه بحزام سياسي برلماني متين يمكّنه من فرض تصوراته للمرحلة المقبلة.
لقد حصل قيس سعيّد على شرعية شعبية منقطعة النظير منذ أن دخلت تونس مرحلة الانتقال الديمقراطي، بحصوله على قرابة ثلاث ملايين صوتا، فيما لم تحصل كل الأحزاب مجتمعة في الانتخابات التشريعية سوى على مليونين وسبع مائه ألف صوتا وهو ما يجعلها في مطب الشرعية المنقوصة مقارنة بالرئيس الجديد.
كل الأحزاب الفائزة في الانتخابات التشريعية، عدّلت عقارب ساعتها ورهاناتها لتسارع الزمن في محاولة للاستحواذ على قيس سعيّد أو إستقطابه إلى معسكرها السياسي والفكري. وهنا يتعلّق الأمر على وجه الخصوص بحركة النهضة الإسلامية التي تلعب كل أوراقها لجر سعيّد إلى مربعها، لأنها لا تريد أن يهدم الرئيس الجديد كل ما بنته في ثماني سنوات بطرحه مجدّدا نظريات ومقاربات جديدة تخص النظام السياسي.
إن حركة النهضة، راهنت منذ أن أمسكت بالحكم في تونس على تعويم نظام الحكم وجعلته شبه برلماني، لا لشيء وإنما كي تقسم معها بقية مكونات الطبقة السياسة فشلها في الحكم ولكي لا يعرف التونسيون من يحكم فعليا ومن يهندس كل الخيارات السياسية والإقتصادية للبلاد.
لكن، اليوم وتحت قيادة قيس سعيّد، فإن الأمر يختلف بالنسبة للنهضة، فقد كان أمر التدارك صعب، لكنه أصبح أكثر صعوبة بالنسبة إليها  بعد كل ما حققه الرئيس الجديد من نتائج غير مسبوقة، فالرجل لا يملك حزبا كي يذهب الإسلاميون لتذويبه وتفكيكه قصد إسقاط الشرعية منه، مثلما ما حصل سابقا مع الرئيس المنصف المرزوقي الذي خرج من قصر قرطاج، خالي الوفاض وبحزب ضعيف (المؤتمر من أجل الجمهورية( وكما حصل أيضا مع الراحل الباجي قائد السبسي الذي بقي أشبه بمعزول في قصره، بعدما كان للنهضة يد طويلة في شق حزبه وجعله يذهب نحو النهاية وبلا رجعة.
إن المزاج الذي صنعته ظاهرة قيس سعيّد، يؤكّد أيضا أن المرحلة القادمة قد تصل حد معركة ليّ الذراع في ما يتعلّق بالصلاحيات، فغالبية الشعب التونسي، تنتظر الآن وتترقّب ما سيقدّمه سعيّد وليس ما سيطرحه البرلمان وذلك كنتاج لما أفرزه فشل البرلمانات السابقة والمتعاقبة بعد ثورة 2011 .
إن هذه السيناريوهات، تُحيل إلى إمكانية وقوع أزمات بالجملة، إن لم يدخل قيس سعيّد بيت طاعة النهضة، فالرئيس الجديد وقي حال إن بقي مستقلا ومتساميا عن كل الانتماءات والاصطفافات الحزبية، سيحاول حتى وإن تم عزله في القصر إحراج الطبقة السياسية الممثلة في البرلمان، بتقديمه مشاريع قوانين رغم يقينه المسبق بأنه لا يمكن تمريرها، لكنه يراهن على دق مسامير في أيادي الكتل البرلمانية  أمام أنظار الشعب بخروجه الدوري مثلما يقول ذلك لمصارحة التونسيين بمن كان وراء إفشال أو رفض تمرير ما طرحه من مشاريع سياسية على جمهور الناخبين خلال حملته الانتخابية.
في هذه المواضع بالذات، ستجد الطبقة السياسية البرلمانية، نفسها أمام مفترق طرقات، فإما أن تستسلم لـ"شهوات" قيس سعيّد السياسية، أو أن تختار الصدام معه وهي مثقلة بإدراكها التام أن الرجل بمقدوره الآن أن يحرّك الشارع بمجرّد "غمزة" أو كلمة يتوجه بها إلى الشعب بصفة عامة وإلى أنصاره المراهنين على خياراته بصفة خاصة.
يبدو أن كل هذا الجدل، سيطفو على سطح الأحداث في تونس قريبا، بعد تركز البرلمان الجديد وبعد أداء الرئيس الجديد لليمني الدستورية، فقيس سعيّد ورغم عدم إضماره كونه رجلا محافظا ومتمسّك بثوابت الدين الإسلامي، فانه أيضا لم يفوت الفرصة مؤخرا، ليبرق رسالة موجهة لحركة النهضة بقوله، " إن الوحي نزل على الرسول الأكرم في غراء حراء وليس في مونبليزير"، ومونبليزير هي المنطقة التي يتركز بها مقر حركة النهضة بالعاصمة التونسية.
إن حصلت كل هذه الأمور وكل ذلك غير مستبعد بكل ما يظهره الرئيس الجديد من كاريزما، فان التاريخ  قد يُثبت مستقبلا أن قيس سعيّد ليس وليد الصدفة، بل إنه يعمل وفق ما يقر المقربين منه وفق استراتيجيات معمقة، قد تمكنه في الخمس سنوات المقبلة من قلب كل المعادلات ومن قلب الطاولة على الأحزاب السياسية، ليهيأ نفسه لعهدة ثانية متسلحا بشعبية متزايدة ومتراكمة تمكنه من تمرير ما يشاء مستقبلا من مخططات سياسية يصبو إلى تنفيذها وعلى رأسها تغيير النظام السياسي.
 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.