14
يسرى الشيخاوي-
زاده شغف بالموسيقى وولع بالبحث والتجريب، يرسم العازف والملحّن غسّان الفندري معالم أسلوب فني يستخدم فيه لغة صوتية مارقة عن السائد والمألوف، لغة لا تشبه إلاتمرّده على كل حدّ وقيد.
لأنّ العالم يتشكّل من أصوات لا بداية لها ولا نهاية، أصوات سرمدية تتفرّع عن بعضها البعض، تتكاثف وتتقلّص تتقارب وتتباعد وتتبدّل وتتغيّر ولا تسكت وتخلق في كل مرّة إيقاعات جديدة تتعدّد سبلها، فإن غسّان الفندري سخّر الأصوات ليرسم بها مشاهد منفتحة على كل الاحتمالات.
مشاهد صوتية لا تخضع للتصنيفات، يضمّنها العازف الذي يلاحق الصوت بمختلف تجلياته في مشروعه الموسيقي " ساوند سكايب" الذي يشارك في المسابقة الرسمية لأيام قرطاج الموسيقية.
و"ساوندسكايب"، ليس مقطوعات موسيقية فحسب بل هي فلسفة موسيقية يطوع من خلالها الصوت ليرسم تمثلاته للحياة، ويتغيّر المشهد في كل مرّة ولكن الصوت يعانق نفس الاتجاه، اتجاه تنتفي فيه كل الحدود وتكون فيه الموسيقى لغة خطاب.
رحلة في التراث الموسيقي للقارة الافريقية، تحدد أنغام الغيتار ملامحها وتضفي عليها مسحة عصرية تزيدها الإضاءة على الركح وصور على الشاشة وضوحا، في إخراج متجانس مع الأنغام والإيقاعات.
هو أوّل مشروع موسيقي منفرد لغسان الفندري في التلحين، ضمّنه عصارة تجاربه الموسيقية السابقة مع فنانين من تونس وخارجها، وهو بمثابة موسيقى تجريبية طوّع الفندري الضوء والمشهدية لخدمتها.
موسيقى غير قابلة للتصنيف منفتحة على كل الأنماط الموسيقية، فيها اليوست روك والالكترو والموسيقى التونسية والأفرو، مزج بينها كاسرا كل القواعد الكلاسيكية ومعلنا ميلاد موسيقى متحرّرة من كل القيود.
على ركح مسرح الجهات بمدينة الثقافة، تماهى العازف مع غيثارته، ولاءم تقنياتها مع خصوصيات الموسيقى التونسية، ليكون الغيتار همزة وصل بين الموسيقى التقليدية والموسيقى الحديثة ويتزاوج الأداء الآلي مع المؤثرات الصوتية.
"أنا النور" و"الحمام" و"الدائرة الافتراضية"، ومقطوعات أخرى أداها غسّان الفندري على الركح، وحضر فيها صوت زوجته ورفيقة دربه الموسيقي، وصوت الفنان إسلام الجماعي ونغمات قصبة عزفها صاليح الجبالي ليكون " ساوندسكايب" إعادة نظر في موسيقى الأصل.
والمشروع الموسيقي الذي رأى النور في إقامة فنيّة بالحي الدولي للفنون بباريس عنوان للانفتاح على الثقافات الموسيقية بمختلف تلويناتها وللبصمة المتفرّدة للعازف غسان الفندري، الذي لم يفته أن يردّ العرفان لوالديه اللذين كان حاضرين في العرض الأول لمشروعه في تونس.