29
مروى الدريدي-
للأطفال أحاسيس وانفعالات قد لا يستطيعون البوح بها، لكن تصلنا عبر حماستهم ونظراتهم وحركاتهم وابتساماتهم، هي مشاعر بدت واضحة على الأطفال الذين واكبوا عرض سندريلا "CENDRILLON" بالمسرح الروماني بقرطاج الذي خصّص سهرة الخميس 8 أوت 2019 لامتاع البراعم الصغيرة.
وسندريلا هي من أشهر الشخصيات الخيالية في عالم قصص الأطفال، هي حكاية شعبية اسطورية اتخذت مئات الأشكال الأدبية والفنية في العصر الحديث، ولا يُعرف من الذي ابتكر شخصية سندريلا وإن كان كثير من مؤرخى الآداب والفنون يرجّحون رد أصولها إلى الصّين وبالتحديد إلى عام 860 قبل الميلاد.
لكننا نعرف أن الرؤية الحديثة لسندريلا تعود إلى "والت ديزني" الأمريكى الذي تبنى الشخصية وقدمها في أحد أفلام الصور المتحركة عام 1950 لتصبح النمط الكلاسيكى المعروف لشخصية سندريلا، الفتاة الصغيرة التي تعاني من موت أمها وقسوة زوجة ابيها وحرمانها من طفولتها حتى تظهر روح أمها على شكل ملاك أو ساحرة طيبة ومعها مساعدوها فيعدّون لها ثوبا لحفلة الأمير، وتدق الساعة فتخشى انكشاف أمرها وتجري هاربة لتنتهي القصة بزواجها بالأمير بعد أن عثر عليها عن طريق حذائها الذي تركته ليلة الحفل.
هي تفاصيل الحكاية التي يعرفها الصغير قبل الكبير وهي مؤلوفة جدّا ونهايتها معروفة، لكن استطاع فريق العرض من الممثلين بأدائهم المتقن وفكاهتهم وأصواتهم الأوبيرالية شدّ انتباه الجمهور إلى نهاية العرض، الذي تفاعل مع رقصاتهم وغنائهم وأحداث القصة التي بدت مشوقة رغم علمهم بها.
والفريق الفرنسي الشاب جمع بين التمثيل والرقص والغناء، ثلاثية طغت على العرض فلم تسمح بتسلل الملل إلى الأطفال ولا إلى آبائهم وامهاتهم الذين شاركوا البسمة والتصفيق والفرحة مع أبنائهم، هو شعور الفرح تلمسه في قلوب الاطفال البريئة من خلال عرض متكامل سعى الى مخاطبة قلوبهم قبل عقولهم.
ولا يمكن المرور دون الحديث عن أزياء القرن التاسع عشر الفرنسية، الفخمة والأنيقة للأثرياء والنبلاء، والبسيطة والجميلة للعامة، التي تَزيّن بها الممثلون على خشبة المسرح والتي أدوا بها رقصاتهم فكانت لوحات فنية راقصة تفاعل معها الصغار فبان السرور على محياهم.
وبالرغم من أن أحداث القصة معروفة ومتوقعة، ومن أكثر أفلام الصور المتحركة شهرة في العالم مثلما سبق الاشارة إلى ذلك، إلا أنه لا يجب أن نغفل عن العبر والدروس المستخلصة منها، فسندريلا هذه الفتاة اللينة والمحبة والتي تساعد الآخرين بتواضع وحب، والصابرة على المصاعب وبطش زوجة الأب، أعطت المثال بضرورة عدم اليأس والتسليم بالواقع اليومي مقابل الأمل في مستقبل مشرق وحياة أفضل وهو ما نالته بعد طول معاناة إذ تزوجت بالأمير الذي كانت تحلم به.
لكن لا يمكن ان يقتصر الحلم على المعنى المباشر للقصة كأن يكون حلم كل فتاة الزواج برجل أحلامها أو بالأمير حتى ترى أنها حققت أحلامها، فالمقصود هنا هو الحلم والاصرار والعزيمة على بلوغ الأفضل في شتى مجالات الحياة والصبر على قسوة البشر والشدائد التي قد تعترضنا ومعرفة مجاراتها، كما لا يمكن التسليم أيضا بوجود عصا سحرية قد تُخرجنا من الواقع المرير الذي نعيشه بل أن تكون هذه العصا نابعة من داخلنا ومن اصرارنا على التغيير نحو الأفضل والسعي لذلك بكل الطرق المتاحة.
عبر قد لا ينجح الأطفال في استخلاصها بعد مشاهدتهم أو قراءتهم لقصة سندريلا أو غيرها من القصص الأخرى وقد لا تستوعبها أحيانا عقولهم الصغيرة لذا فدور الأولياء مهم جدا ومسؤوليتهم كبيرة في تبسيط المعنى والمغزى لايصال هذه العبر والمعني الجميلة لقلوب الأطفال وعقولهم.