الوجه القاتم لحلق الوادي.. عندما “تشرّع” الدولة الفوضى

مروى الدريدي-

أرصفة على اليمين واليسار احتلها أصحاب المقاهي والمطاعم، ممرات مخصّصة للمترجلين صارت موقفا للسيارات، الأطفال والنساء والرجال يسيرون جنبا إلى جنب مع السيارات والدراجات الناريّة، باعة متجوّلون هنا وهناك، صخب ضجيج، ازدحام خانق، انبعاثات السيارات، فضلات متراكمة، مرحبا انك في حلق الوادي.. مرحبا أنت في حضرة غياب الدولة.
 
انه مساء يوم سبت، هذا اليوم يعتبر فسحة للتونسيين بعد أسبوع من العمل والارهاق والضغط النفسي، فاختار جزء منهم حلق الوادي المدينة السياحية الجميلة وجهة لهم، ليصطدموا بهول ما رأوا، فقد أجمع جلّ من التقتهم حقائق أون لاين على أن مدينة حلق الوادي هذه المدينة التاريخية السياحية أصبحت عنوانا للفوضى بامتياز، متسائلين عن غياب البلدية أمام معظم الظواهر السلبية التي تُعتبر أوّل المسؤولين عنها.
 
 
أكثر المشاهد ازعاجا في حلق الوادي والتي كانت محلّ تذمّر الجميع هو احتلال الرصيف من طرف أصحاب المقاهي والمطاعم، فهم لم يكتفوا باستغلال الرصيف الموجود مباشرة أمام محلاتهم بل استغلوا أيضا ممرات المترجلين من الجهة المقابلة، إذ نصبوا عليها طاولاتهم وكراسيهم لجلب أكبر عدد من الحرفاء، فضلا عن استغلالهم للشواطئ التي أمام محلاتهم، والتي يفترض أن تكون ملكا عموميّا لا خاصّا.
 
ولتكمل صورة الفوضى واللاّنظام لا يمكن عدم الحديث عن السيارات الرابضة على جنبي الطريق لتزيد من اختناق حركة المرور وسير المارّة لدرجة تعطيل الحركة تماما.
 
 
وأنت تتجوّل في حلق الوادي يتبادر إلى ذهنك أسئلة عدّة، من أعطى لأصحاب المحلات والمطاعم الحق في استغلال كل متنفس للمواطن؟ هل هو تصرّف فردي؟ هل أن البلدية منحتهم ترخصيا؟
 
إن كان تصرّفا فرديّا فلماذا لم تتدخل بلدية حلق الوادي وتفرض النظام وتكفل حق المواطن في ممرّ يسير عليه بأمان ومكان يستمتع به بجمال البحر دون أن يضطرّ لدفع المال مقابل التمتع ببديع ما حبا الله به تلك المنطقة؟، لكن إن كان لدى أصحاب المطاعم والمقاهي ترخيص من مصالح البلدية فتلك الطامة الكبرى لأنّه بهذا التصرف عبثت بحياة المواطن وبحياة الطفل الصغير الذي يسير وسط الطريق لأن بلديته حرمته من حقه في التنقل بأمان، وشرّعت بالقانون ذلك. 
 
 
غير بعيد عن الشاطئ نصب عدد من الباعة بضاعتهم من ألعاب أطفال وملابس مستعملة وحقائب وأحذية وعطور، وأصواتهم تتعالى هنا وهناك، في مكان وضعت به اشارة "بلدية حلق الوادي ممنوع الانتصاب"، فكأنك تخال نفسك لوهلة في أحد الأسواق الشعبية لولا التفاتة بسيطة لترى البحر أمامك حتى تتأكد أنك في حلق الوادي، ولا بدّ أن البلدية على اطلاع وعلم بذلك فلماذا تدخلها ضعيف لهذه الدرجة، هل انتهى دورها عند وضع لافتة "ممنوع الانتصاب؟".
 
وستحتفي حلق الوادي الشهر القادم بمهرجان "عيد الحوت"، وهو ظاهرة احتفالية شعبية تميز هذه المدينة بمكوناتها البحرية والتاريخية والسياحية، ويتوافد عليها الزوّار بالالاف، فهل أن البلدية مستعدة لأن تربح هذا التحدّي أمام جميع المظاهر السلبية التي طمست جمال المدينة؟.   
 
 
إنّ وضع الشخص المناسب في المكان المناسب مع توفر الارادة والشجاعة يخلقون قدرة على التغيير وإحداث الفعل الايجابي، وايجاد الحلول، فمن الحلول البسيطة التي يمكن أن تتخذها البلدية هي منع أصحاب االمقاهي والمطاعم من استغلال الممرّات الخاصة بالمترجلين، وهكذا تضمن حق المواطن في التنقل بأمان، وأن توفر مآوى للسيارات بعيدة عن الشواطئ حتى لا تختنق حركة السير وأن ينعم المواطن والسائح بفضاء صحي وهواء نقي غير مختنق بانبعاثات السيارات، والسعي لعدم طمس جمال هذه المدينة أو تشويهه بالانتصاب الفوضوي.
 
رغم وجع مدينة حلق الوادي وقتامة المشهد جراء اثقالها بالظواهر السلبية، إلا أنها تبقى تلك المدينة السياحية العريقة والتاريخية التي كانت قبلة الإيطاليين والإسبان المهاجرين من صقلية والأندلس والغنية بإرث يمتد إلى قرون أساسه التسامح والانفتاح والتعايش، ترجمته الكنائس اليهودية والمسيحية والمساجد المنتشرة بالمدينة، وتبقى أيضا مسؤولية كبيرة على عاتق الدولة حتى لا ينفرها الزائر.
 
 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.