14
محمد نعمان-
ليس غريبا على اردوغان تثبيت اصراره على اعادة الانتخابات البلدية في تركيا وسط تفاعلات إقليمية تحاصر تنظيمات الإسلام السياسي بمختلف تفريعاته ، و لم يكن غريبا ان تهيج فرائص الاخوان في معركة الوجود الأخيرة في ليبيا وسط تقلص دولي في الوزن وامام حالات التأثيم الواسعة التي تتلقاها من اكثر من جهة ، و ليس مستبعدا ان تقاتل ايضا حركة النهضة بكل اسلحتها المشروعة للبقاء في السلطة حتى لو تطلب الأمر التحالف مع مجاميع الأنس و الجن و ما بينهما من مخلوقات لا يعلم سرها الا الخالق الجبار .
هكذا هم الاخوان رصيد جاهز للتأثير و اثارة النعرات ، و جاهزية دائمة للنهل من صندوق الدين و من حقيبة الجهاد لرسم الحدود بين أهل الجنة و النار و للإقدام على المستحيل من اجل الممكن السلطوي في استحضار تراجيدي دائما لصورة نيرون و هو يحرق روما على استعارة "عليا و على اعدائي".
يبدو ان هذه المشهدية المبكية تتقاسم أطوارها داخل ليبيا ، حيث ان الغرب الليبي المسيج بميليشيات القتال الداعشي و تنظيمات سفك الدماء و الذبح العلني قادر على التضحية بالأرض من اجل مصالح فئوية ضيقة يحركها مثلث النار بين الدوحة و انقرة و بعض من اللوبيات البريطانية .
و يقول التشخيص الأكثر انصافا للإسلام السياسي وفق الكاتب الفرنسي بياجي : ما ان حل ركبهم الا وحلت الصراعات الداخلية و النزاعات و القلاقل القروسطية و الفتن المذهبية ، فهم عناصر تفريق، لا تجميع ، و تتعدد النماذج في ذلك بداية من النظام السوداني الذ حول الخرطوم من شريان الثروة الى دولة فاشلة منبوذة في الساحة الدولية .
ديمقراطية الثقب الواحد
ربما هو الاشكال الأبرز الذي التصق بالتنظيمات الإخوانية منذ تجربة جبهة الإنقاذ الجزائرية مرورا بالتجربة المصرية و الفلسطينية و التركية حاليا من خلال نظرتهم للديمقراطية كجسر عبور ذو اتجاه واحد للسلطة و البقاء فيها ، في محاكاة تاريخية للأنظمة الكليانية التي برزت في المشهد الكوني في منتصف القرن العشرين .
هذا الأساس يتعارض مع التعريف الأكاديمي للديمقراطية كمنهج حكم يقوم على التداول السلمي للسلطة و الاعتراف بالخصم و إدارة الخلافات بمنطق عقلاني بعيد عن الغرائز الدينية او تأويلات النصوص المقدسة ، و هو أساس يغيب في الحالة الليبية التي دفعت فيها الجهات التي أسقطت نظام القذافي الى تلغيم الساحة الليبية و تغذية الصراعات القبلية .
و يبدو ان الرهان اليوم أمام الاخوان المسلمين هو الذهاب في معركتهم الى الآخر رغم وابل النقد الدولي و حجم الانكشافات التي تربطهم مع الارهاب و استعداد الإدارة الأمريكية لتصنيفهم ضمن التنظيمات الإرهابية .
هذا الإحساس بخسارة التموقع الإقليمي يجعل منهم في حالة روابط ميكانيكية مع التنظيمات المسلحة كما تفعل حكومة فائز السراج في تنسيقها مع الجماعات الداعشية في صبراطة .
و قد كشفت صحيفة النيوزويك تنسيقا تركيا مع حكومة السراج لإمدادها ببقايا داعش العالقين في إسطنبول ، من اجل خلق معادلة عددية جديدة في جغرافيا الصراع اللبيبة .
هي رقصة ديك مذبوح في ساحة إقليمية أصبحت فيها التنظيمات الإخوانية في عزلة قد تنهي رحلتهم الدرامية تجاه السلطة .