المهرجان التربوي الوطني: حلم من خاصرة العدم.. أو كيف يكون المعلّم رسولا

يسرى الشيخاوي- 
 
"قم للمعلم وفه التبجيلا .. كاد المعلم أن يكون رسولا"، بيت للشاعر أحمد شوقي، محل اقتباس في هذه المقالة مع تعديل عميق، إذ أن المعلم الذي ينسج خيوط العدم ليصنع منها أحلاما واحلاما لا يكاد أن يكون رسولا وانما هو رسول رسالته الامل والحياة.
 
كيف يكون المعلم رسولا ؟
 
في جندوبة، في قرية بلطة بن عون، تلك القرية الجملية التي زينها الربيع بألوان الحياة وطمس تهميش الدولة لها ولغيرها من المناطق الريفية ، معلم الثقافة دينه وديدنه، يحب الحياة ما استطاع إليها سبيلا ويصنع من اللاشيء كل شيء.
هو المربي والشاعر فؤاد حمدي، هو ذلك الرجل الهادئ الذي يؤوي داخله براكينا من النشاط، هو الذي حاك من العدم حلما حوله إلى حقيقة إذ جعل التربية ربيعا زاهيا رغم تجاهل المسؤولين في الجهة إلا ما قل منهم وندر.
"للتربية ربيع "، عنوان للمهرجان التربوي الوطني الذي كانت المدرسة الابتدائية الهادي خليل بوسالم  مهده وامتدت انشطته في بوسالم وبلاريجيا وبني مطير، هو مهرجان بإمكانيات قليلة وآفاق لا حدود لها، وربيع التربية بعث فيه المربّي فؤاد حمدي الروح من كيان العدم، وغذاه مربون من جهات مختلفة من الجمهورية برسائل البذل والعطاء التي مرروها إلى تلاميذهم الذين كانوا زهورا فواحة بعبق الإبداع.
والتظاهرة التربوية والثقافية والسياحية في ذات الآن، لم تلق الدعم الكافي من الجهات المعنية ولكن ذلك لم يمنع عرّابها من مواصلة رسم معالم الحلم والمضي به إلى دروب الحقيقة متجاهلا كل العراقيل والصعوبات.
وأن تكون معلّما وصاحب رسالة يفرض عليك حدّا من الالتزام والتضحية وهو ما ميّز تعامله مع بيروقراطية الدولة ومع شماعة الوعود التي يعلّق عليها المسؤولين  فشلهم، وفي الوقت الذي راسل فيه سلطة الإشراف أي وزارة التربية لتمكين المدارس التي أعربت عن رغبتها في المشاركة في المهرجان التربوي، لم تمكّن المندوبيات الجهوية للتربية المعلمين من حافلات صغيرة تقلّهم والتلاميذ إلى جندوبة، وهو ما جعل بعض المدارس تتغيّب في حين حضر بعض المربّين على نفقتهم الخاصة.
 
حلم من خاصرة العدم 
 
ورغم غياب الدعم ومماطلة الجهات المعنية التي قرع فؤاد حمدي أبوابها، ورغم تغيير برنامج التظاهرة في يومها الأوّل، إلا أنّه وزملاؤه الذين رافقوا التلاميذ إلى الجهة لم يستسلموا وصنعوا من  "اللاشيء" الذي وفرته لهم الدولة مهرجانا بفلسفة عميقة تقوم على تنمية الحس الوطن لدى التلاميذ.
ومن فلسفة المهرجان، أيضا، توعية التلاميذ بالحفاظ على البيئة والتعريف بالمخزون التراثي والاثري  والملابس التقليدية والعادات الخاصة بالولايات المشاركة، والتعريف بالثروة الطبيعية والتنوع البيولوجي للجهة والتعلم خارج القسم والمدرسة ةربط صلات عمل وشراكة بين المدارس المشاركة والتعارف بين تلاميذ الولايات المشاركة.
وكانت انطلاقة المهرجان بجولة في المعهد الوطني للزراعات الكبرى حيث تعرّف التلاميذ على الآلات الفلاحية التقليدية والعصرية وعلى أصناف الحبوب والبقول والزراعات العلفية المتوفرة في المنصة البيولوجية للمعهد، وفي اليوم الموالي كانت بلاريجيا المعلم الأثري قبلتهم حيث أوغلوا في تاريخ الجهة وصافحوا حجارة المكان ونقوشه.
 
 للتربية ربيع
 
وفي المسرح الأثري ببلاريجيا صنع التلاميذ ومعلموهم ربيع التربية بأزيائهم التقليدية وألوانها النابضة حياة، وقضائد الشعر التي ألقوها والأغاني التي ردّدوها وردّد الأثير صداها، ولأنّ الجهات المعنية لا تولي مثل هذه التظاهرات الاهمية الكافية، كلن لزاما على التلاميذ ومرافقيهم أن يتنبّدوا عناء الصراخ عاليا لكي تبلغ أصواتهم الجمهور في المدارج لأن تقنيات الصوت لم تكن متوفّرة، كان لزاما عى التلاميذ أن يتقمصوا الشخصيات الرومانية التي لم تكن تستعمل مضخمات الصوت قبل سنوات كثيرة.
 وتجسيدا لأحد أهداف التظاهرة وهو تنمية الحس الوطني لدى التلاميذ، وقف التلاميذ والمربون صامتين لدقيقة ترحّما على ضحايا فاجعة السبالة، بعد أن تلوا النشيد الوطني فتماهت أصواتهم ورفرفت راية تونس على ركح المسرح الأثري ببلاريجيا.
وتواترت العروض المسرحية، ووصلات إلقاء الشعر على سنة التلاميذ الذين قارعوا كل الظروف ليقدّموا لمحات عن  جهاتهم وعن موروثهم الثقافي وأزيائهم وأغانيهم الشعبية، وما اجمل التلاميذ وهو يبعثون برسائل العرفان إلى شعراء جهاتهم، ويتغنون بأصواتهم الرقيقة العذبة بمدنهم، وما اجملهم حينما يتحلّقون وسط المسرح وكل منهم يحمل لونا من ألوان الربيع، وماأجمل الثقافة النابعة من القلوب الصادقة، تلك الثقافة التي لا تتملّق على أعتاب القصور العاجية وتصنع  وتخلق من "اللاشيء" كل شيء.
 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.