مهرجان قلعة المسرح يبحث سبل التسويق للفن الرابع

محمد علي الصغير-

كيف يمكن الترويج للأثر المسرحي والتسويق له ؟ اي مستقبل للمسرح التونسي في ظل وجود كم هائل من المعوقات التقنية والمادية التي يتعرض لها؟ اي تاثير لوسائل الاتصال الحديثة واي دور يمكن ان تلعبه في سبيل النهوض بهذا الفن العريق؟ ما هي حدود ترويج الاعمال المسرحية داخل الجهات وما هي سبل تكريس اللامركزية الثقافية في هذا الجانب؟

كلها مطارحات وتساؤلات تم التطرق لها صباح هذا اليوم في دار الثقافة بالقلعة الكبرى ضمن فعاليات مهرجان "قلعة المسرح"٠

سنّة حسنة دأبت جمعية اشراق  للثقافة والفنون على اتباعها والمحافظة عليها بالشراكة مع دار الثقافة بالقلعة الكبرى. مهرجان قلعة المسرح في دورته الخامسة جعل من هذه الجمعية العريقة متميزة ومتفردة في طروحاتها والمواضيع التي تتطرق لها في علاقة مباشرة بالمسرح… هذه الدورة التي انطلقت منذ يوم 20 افريل الجاري بعروض مسرحية يتواصل عرضها الى غاية الخامس والعشرين من هذا الشهر اختارت كعنوان لندوتها الفكرية السنوية "المسرح والتسويق" واستعانت في معالجة هذا الموضوع بعديد الباحثين والمتدخلين في هذا القطاع الفني الحيوي.

الدعم… سلاح ذو حدين

خلص معظم المشاركين في هذه الندوة التي ترأسها الناقد المسرحي محمد مسعود ادريس الى ان المسرح التونسي يدين ببقائه وديمومته الى مصالح الاشراف وتحديدا وزارة الشؤون الثقافية التي تساهم في دعم الأعمال الفنية بصفة مطلقة في غياب مناهج وسبل ترويجية واضحة وعملية. وهو ما يذهب اليه المخرج المسرحي منير العرقي الذي يرى ان مسألة الترويج  "موضوع حساس خصوصا في مسالة ايصال المنتوج المسرحي ولولا الدعم الذي يلقاه هذا المنتوج لانتفى تماما"٠ 

ويؤكد مُخرج مسرحية «القُبلة» التي حازت مؤخرا الجائزة الكبرى  في مهرجان «أماناي» الدولي للمسرح في المغرب على  أنه لا يمكن حديث عن الفعل الثقافي ولا عن مهرجانات وانتاجات الا في اطار ما تنجزه وتدعمه وزارة الشؤون الثقافية اذ لا وجود لاستثمار خاص في هذا المجال الا قليلا وبهدف تجاري ربحي بحت. 

في السياق ذاته يشير محمد مسعود ادريس الى أن 70%  من العروض المسرحية تقتنيها الوزارة ليتم في ما بعد عرضها في فضاءات منضوية تحتها وهو ما ينفي وجود سوق حقيقية للمسرح الشيء الذي يساهم بشكل من الأشكال في  "موت المسرح"٠ ولم يخف المحاضرون الدور الكبير الذي تلعبه سلطة الاشراف في تحقيق نسبة من التوازن في هذا القطاع خصوصا مع التزايد المطرد لحجم الدعم على الانتاج الذي بلغ قيمة المليار ونصف هذه السنة مقابل مليار واحد في السنة التي سبقتها هذا دون التغافل عن الدعم الذي ناهز 730 الف دينار بالنسبة للفضاءات الخاصة والذي اضيف له مبلغ 310 الاف دينار بمناسبة الاحتفال بتظاهرة "مدن الفنون".

اعتماد هذا القطاع بصفة شبه كلية على الدعم العمومي يطرح في واقع الامر  تساؤلات حقيقية عن مدى نجاعة هذه السياسة التي تشجع على التواكل والركون الى الحلول السهلة والمضمونة احيانا في تطوير هذا الفن الراقي. اذ لا مناص اليوم من الإقرار بأن هذه السياسة تعتبر سلاحا ذو حدين. 

ففي الوقت الذي يعيش فيه المسرح التونسي  مازق "ثقافة الاستهلاك" بحسب الدكتورة ربيعة بلطيفة استاذة التعليم العالي فإن "هذا المسرح يتعفف عن الحديث على بيع المنتوج الفني والفنان المسرحي يتعالى احيانا على مثل هذه المقولات بدعوى طبيعة منتوجه الراقي الذي لا يمكن ان يكون عملا مفهوما من قبل الجميع". 

ودعت الرسامة ابنة القلعة الكبرى والاستاذة بالمعهد العالي للفنون الجميلة بتونس  المسرحيين الى "البحث في سبل جديدة للترويج لاعمالهم دون التواكل بالاعتماد على الدعم العمومي من خلال الانفتاح على وسائل الاتصال الحديثة والترويج عبرها". 

وترى المحاضِرة أن  "الانترنات خلقت وسائل وطرق جديدة للترويج عبر نشر بعض المقاطع على صفحات التواصل الاجتماعي او المواقع لمختصة من ذلك التجربة الفريدة وهي راديو المسرح التي يشرف عليها الفنان شكري البحري وهي تُعنى بمتابعة الاعمال المسرحية وتقوم بالترويج لها". 

وتأتي هذه الدعوة لدفع الفنانين والمنتجين الى البحث في سبل مبتكرة للترويج للأثر المسرحي وعدم الاقتصار على  دعم وزارة الاشراف التي ورغم حرصها ومساهمتها في انقاذ هذا القطاع الذي يعاني على غرار بقية الفنون الأخرى من عزوف الجمهور الا ان من شأنها وأْدَ روح المبادرة والإبداع لدى العديد من الفنانين من جهة و من جهة أخرى خلق نوع من الحرمان والشعور بالضيم لدى فئات من المبدعين بسبب غياب الشفافية في عملية الدعم.

ضرورة تنويع الدعم

لعل أبرز هاجس يقض مضجع الفنانين والمسرحيين بصفة هامة هو مسألة دعم  الأعمال الفنية التي تمثل الركيزة الأساسية لكل عمل مسرحي في بلادنا الى درجة اصبح فيها منطق "الاستجداء والتسول" طاغيا حسب الاستاذ حافظ الجديدي الاستاذ الجامعي المختص في المسرح وذلك بسبب وجود ممول واحد وهو وزارة الثقافة. هذه التبعية للهيكل العمومي الوحيد في غياب آليات تسويقية واضحة جعلت من الفنان حسب المحاضرين يعيش حالة من التفقير مما اضطر  "الممثل  الى المشاركة في اكثر من انتاج  في الوقت ذاته حتى يوفر قوت يومه ويحصل على العيش الكريم" حسب قول المخرج منير العرقي. 

ودعا هذا المحاضر الذي تحدث مطولا عن السياسات التي تنتهجها وزارة الثقافة في دعم الاثر الفني، دعا بقية الوزارات والهياكل في علاقة بالمسرح كوزارة التربية ووزارة التعليم العالي وغيرها الى المساهمة الايجابية في الفعل المسرحي وعدم تحميل وزارة الثقافة العبء كاملا وذلك من خلال المبادرة بانتاج بعض الأعمال المسرحية المدرسية والجامعية مثلا. اذ لم يعد ممكنا بالنسبة لوزارة الشؤون الثقافية لوحدها ان تضطلع بهذه المهمة خصوصا بالنظر الى "الاضافات الهيكلية التي عرفها المسرح التونسي في الفترة الاخيرة والتي وضعت هياكل الاشراف في ارباك من حيث دعم هذه الاعمال مع احترام مبدا اللامركزية".

ولعل مسألة اللامركزية تعد من النقاط الحساسة في هذا الموضوع وذلك من خلال ضرورة تعميم الدعم على كامل المستحقين اذ "ان نصف الدعم يذهب للمراكز والفضاءات المسرحية الموجودة في العاصمة" بحسب الاستاذ حافظ الجديدي وهو ما يتنافي ومبدا اللامركزية الذي يسمح للمراكز الموجودة في الجهات الحق بل الأولية في التمتع بهذا الدعم بالنظر الى العديد من العوامل لعل اهمها قرب الجمهور وتواصله مع هذه الفضاءات ومًًُجْمل التظاهرات التي يتم تنظيمها وطبيعتها واهميتها. 

ويعود الاستاذ  الجديدي المختص في الفنون المشهدية بالتفصيل الى مفهوم اللامركزية والجوارية والذي يعتبره  مفهوما متشعبا اذ ان الجوارية تعني بالنسبة له " تموقع الجهات المنتجة بصفة مجاورة للجماهير واستهدافها بصفة دورية بعروض تَهُمّها مباشرة". ويرى المحاضر وجود مؤشرين  رئيسيين  للحديث عن الجوارية وهما القدرة على الاستقطاب في الجوار المباشر والاسهام في خلق الحاجة للاثر الفني، هذا اولا، وثانيا، القدرة على التوزيع والتواصل خارج المدار الجواري لبلوغ الوطنية والترويج على المستوى الوطني.

ويقترح الجديدي  حلولا عديدة لدعم اللامركزية مثل تشجيع السوق الخاصة للمسرح ودعمها تماما مثل دعم الفضاءات المسرحية والثقافية الخاصة خصوصا انه يوجد اكثر من عشرة مراكز فنون ركحية ودرامية وهي في انفتاح مع المشهد المسرحي و تساهم مباشرة في اللامركزية من خلال العروض والتربصات وغيرها وهي في حاجة الى دعم اكبر من سلطة الاشراف حتى تواصل مسيرتها.

وينفي الجديدي تماما مسألة الحديث عن سوق فنية اذ ان كل الهياكل التي تشكِّل المشهد المسرحي وهي المسرح الحكومي والمسرح الخاص الذي يضم شركات انتاج وفضاءات ثقافية خاصة يكون المسرح فيها جزء هام وكذلك مسرح الهواية  تعتمد بدرجة كبيرة على ميزانية دعم الاعمال الفنية التي تسلم في شكل منح بعد الانتاج.

مدونة سلوك مسرحية

في ظل تواتر التساؤلات عن مدى مصداقية عملية دعم العروض المسرحية وضرورة تخصيص الدعم الى مستحقيه من المبدعين، دعا الاستاذ محمد مسعود ادريس الى ضرورة ارساء مدونة اخلاقية لاعضاء اللجنة وللمتقدمين بالمشاريع المسرحية. ويرى المحاضر في هذا الصدد انه من الضروري  نشر للتقارير الخاصة بهذه اللجان، وخصوصا التبريرات الخاصة برفض المشاريع حتى يتم الوقوف على النقائص وتلافيها مستقبلا. كما عاب ادريس على هذه اللجان عدم اقرارها لشروط ومقاييس واضحة المعالم امام المترشحين حتى يتم الاستئناس بها والاعتماد عليها كالاعتماد مثلا على شبكة تقييمية Grille d’évaluation . 

ويذهب المحاضر بعيدا في نقده لهذه اللجان اذ دعا الى وجوب تغيير طبيعتها وبالأخص اثرائها من خلال  الاستئناس بمختصين في علم الاجتماع وعلم النفس والمؤرخين وغيرهم خصوصا في الاعمال التي تتناول مسائل اجتماعية ومواضيع تاريخية حساسة. كما دعا محمد مسعود ادريس هذه اللجان الى أهمية  دعم الفضاءات الجديدة والكف عن دعم الفضاءات القديمة التي حظيت طويلا بالدعم وكذلك الى حتمية اقرار برنامج للدعم بعيدا عن الطرق الاعتباطية والغير علمية.

تبقى مسألة الترويج بالنسبة لأب الفنون أو المسرح من المسائل المستعصية خصوصا بالنظر الى طبيعة هذا الفن النوعي الذي لا يمكن قرصنته مثلا او تهريبه على غرار السينما او الفن التشكيلي او الموسيقي وبالتالي هو فن يعيش اساسا على مدى الروح الابداعية التي تنبع منه وعلى مدى تقبل الجمهور للنص المسرحي وهو ما يدفع الى طرح مسائل اخرى في علاقة بمسألة "بيع الاثر المسرحي"  وتعنى اساسا بجودة الكتابة  المسرحية او النص المسرحي الذي يمثل اللبنة الاولى لتشكل اي عمل فني ناجح.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.