رفقة الفوج 11 مشاة ميكانيكية من سفح جبل سمامة: عندما تصافح هيبة المكان وعظمة الرجال (صور)

 أمل الصامت –

بعيدا عن دروس الجغرافيا التي تتحدث عن مرتفعات ولاية القصرين وتضاريسها، وبعيدا عن جميع النصوص الجاهزة حول ما حلّ بجبال الشعانبي وسمامة والسلوم والمغيلة خلال السنوات التسعة الأخيرة من عمليات ارهابية وما قابلها من عمليات عسكرية، وبعيدا عن رائحة الدماء التي قد تستشعرها على بعد مئات الكيلومترات كلما جدّت حادثة قد يجرح على إثرها واحد أو أكثر من حماة هذا البلد أو يستشهد.. بعيدا عن كل الأوجاع وعن جميع المسلّمات.. أصبح لا بد من الاعتراف بأن القصرين بحماتها قلعة نضال في وجه الارهاب.

كان يوم خميس ربيعيا تميل فيه السماء إلى الشمس أكثر من الغيوم، في مشهد يشبه غلبة معاني الحياة والانتصار لدى عناصر الفوج 11 مشاة ميكانيكية بالقصرين على الموت والفشل، عندما أدت مجموعة من ممثلي وسائل الاعلام المحلية زيارة ميدانية إلى سفح جبل سمامة، اين صافحت رهبة المكان وعظمة الرجال، فلا شكل الجبل وجها لوجه يشبه ما يمكن أن تنقله لك صورة أو فيديو مهما كانت جودتهما عالية، ولا حماسة أصحاب الزي العسكري هناك تستطيع أن تمسّك بنفس القوة عندما تفصل بينكم المسافات.

بين الرغبة والرهبة شعرة…

كم هما ثقيلتان تلكما الخوذة والسترة الواقيتان من الرصاص، لا يستطيع الجسد حملهما بسهولة حتى يختلط إحساس الدوار بضيق النفس ويسارع صاحبه بالرغبة في نزعهما عنه، فكيف لجندي أن يرتديهما ساعات طوال وفوق كتفيه سلاح ومعدات وأمامه كل يوم مهمات لا يمكن أن توصف غير بالشاقة؟ وتلك المدرعة التي يركبونها أو "الكيربي" كما يسمونها كيف لهم أن يتحملوا الوضع داخلها كل تلك المسافات التي قد يقطعونها في طريق أغلبه غير معبّد؟ ولكن لا مجال لرفضها فهي التي تحميهم من غدر من لا دين لهم ولا وطن.. غدر داهم زملاء لهم يوم لم تكن هذه الوسائل متوفرة بالمواصفات المطلوبة أو على الأقل بالكميات الكافية.

تترجل من "الكيربي" تركيّة الصنع، لتدوس على المعبّد الذي يمتد على طول 30 كيلومترا لطريق هيأته عناصر الفوج 11 مشاة ميكانيكية بجبل سمامة لهدفين أولهما عسكري، مادامت المنطقة مغلقة في الوقت الحالي، لما يوفره من سرعة تدخل لحظة وقوع أي طارئ وضمان لحماية العناصر وسهولة في النفاذ إلى عمق الجبل، والثاني اقتصادي مستقبلي، من أجل حسن استغلال الأراضي الفلاحية على السفوح وتسهيل استغلال ثروات الجبل وربط شمال مدينة القصرين بسبيطلة وإنشاء مشاريع تنموية، وذلك حسب ما بينه آمر الفوج العقيد عبد الغفار الصغير في عرضه للوفد الصحفي.

وها هو إحساس جديد ينتابك بالرهبة والفخر في آن.. كل الخطوات هناك كانت بحسبان.. تحاول توثيق اللحظة بصورة من هنا وفيديو من هناك.. منظر الخضرة في المكان ساحر أينما تلتفت، ولكن سرعان ما يستفيق العقل على حقيقة أنه منطقة عسكرية مغلقة الاقتراب منها "موت محقق".. كلمة أصرّ على تكرارها آمر الفوج طيلة الزيارة، في تحذير للمدنيين من الدخول إلى المناطق العسكرية المغلقة لما يمثله ذلك من تهديد لسلامتهم مع تواصل تواجد العناصر الارهابية، وإن بعدد أقل من السابق، إضافة إلى خطر انفجار الالغام التي يمكن أن تكون مزروعة هنا أو هناك من طرفهم.

نفس الكلمة توزعت على أكثر من لافتة في مدخل المنطقة العسكرية المغلقة، للتأكيد أكثر فأكثر على جدية المخاطر المستترة وراء كل تلك الثروات التي يزخر بها الجبل وكل المتعة التي يمكن أن يقدمها للروح بمناضره الطبيعية الخلابة، فكم من مدني خاصة من اهالي الجهة الذين تحدوا هذه التحذيرات فكانت العاقبة وخيمة إما ببتر ساق أو بفقدان حياة.

ولعلّ التمرين العسكري الذي قدمته مجموعة من عناصر الفوج 11 مشاة ميكانيكية، دليل صارخ على أن الحرب ضد الارهاب في المنطقة كما في عديد المناطق من البلاد التونسية مسألة جدية لا مجال للعبث فيها ومعها، فصوت رصاص الذخيرة الحية كان يصم الآذان، وترحكات المدرعات والعناصر كلها مدروسة ودقيقة وكأنهم في مواجهة حقيقية مع عناصر ارهابية تريد بهم غدرا ولكن لا مجال فحماة الوطن لهم بالمرصاد، وإن مروا على جثة أحدهم لا قدّر الله فلن يمروا على جثة ثانية. 

مهام بالجملة

مهمة الفوج الذي استضاف الوفد الصحفي ذات 11 أفريل 2019، لا تنحصر في مقاومة الارهاب وتحرير جبال المنطقة من دعاة الموت من خلال العمليات الاستباقية والتدخل عند الحاجة أو الدعم والاسناد، إذ يقوم في 10 معتمديات من أصل 13 تابعة لولاية القصرين بدوريات مشتركة مع مختلف الأسلاك الأمنية سواء في المناطق الحدودية او العمرانية وذلك إما للطمأنة من خلال التواجد أو للتدخل عند الضرورة، كما يضطلع بمهام تأمين المواقع والمنشآت الحساسة والتدخل لفائدتها، وتفقد الكهوف والمغاور والمباني المهجورة والتي يمكن أن يستغلها الارهابيون أو المهربون كأوكار لهم، إضافة إلى المشاركة في دوريات تندرج في إطار التصدي لظاهرة التهريب.

وإن كان للمهام العملياتية المشتركة ثقلها، فلمهام حفظ النظام والنجدة والانقاذ أيضا أهميتها، باعتبار أن التحدي بقطاع مسؤولية الفوج ليس بالهين، إذ يساهم في ضمان سلمية التحركات الاجتماعية والتصدي لمحاولة استغلال العناصر الارهابية لها، علاوة على دعم قوات الأمن في تأمين مقرات السيادة والمؤسسات المالية والمصالح الحيوية، إلى جانب التدخل عند تساقط كميات هامة من الثلوج أو الامطار نظرا لحدة المناخ وصعوبة التضاريس بالجهة خاصة في فصل الشتاء وما يمكن أن يجدّ فيه من فيضان للأودية وغلق للطرقات، وتسجيل مفقودين أو عالقين.

ولا تقف المهام عند هذا الحد، باعتبار مشاركة عناصر الفوج في تأمين المواعيد الوطنية الكبرى على غرار الانتخابات نظرا لوجود معظم مراكز الاقتراع بسفوح الجبال وداخلها وصعوبة المسالك الجبلية، إلى جانب دعم المجهود الصحي بالمناطق الجبلية والحدودية.

التاريخ لا ينسى

لم ينحصر عرض آمر الفوج 11 مشاة ميكانيكية العقيد عبد الغفار الصغير في تقديم مهام الفوج وقطاع مسؤوليته، فقدم لمحة تاريخية عن انبعاثه، وهو سليل الفوج الثاني مختلف الأسلحة، يوم 11 أوت 1976 بثكنة جرجيس قبل أن ينتقل في غرة جويلية 1984 إلى ثكنة القصرين، ليعمل بالوحدة الترابية بفريانة طيلة 9 سنوات انطلقت يوم 26 جوان 1991، قبل ان ينتقل يوم 1 جوان 2000 إلى الوحدة الترابية بفوسانة.

وشارك الفوج 11 مشاة ميكانيكية أكثر من مرة في عمليات خارج قطاع مسؤوليته وحتى خارج حدود الوطن على غرار المشاركة في حرب أكتوبر 1973 بمصر، والمشاركة في عودة الأمن إثر أحداث قفصة سنة 1980، والمشاركة في عملية بن قردان التي جدت في مارس 2016، إضافة إلى المشاركة في البعثات الأممية لحفظ السلام.

الجيش الوطني الذي يمر على تأسيسه هذه السنة 63 عاما، عرف حتما عديد التحولات والتغييرات في منهجية العمل وطبيعته حسب نوعية التحديات التي تختلف من فترة إلى أخرى، ولكن الهدف يبقى ثابتا في كل مرة وهو الذود عن سلامة هذا الوطن وحرمة ترابه ضدّ كل عدوّ يتربص به من الداخل أو الخارج، وأيا كان اسم الفوج أو قطاع عمله فالقسم أن تبقى تونس حرة منيعة أبد الدهر لن يتغيّر…

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.