“مجاذيب” الموسيقى ورحلة حلم البقاء

 مريم المرايحي –

تعاني صناعة الأفلام الوثائقية في تونس والعالم العربي من ركود كبير ويعود ذلك إلى عزوف شركات الإنتاج والتوزيع ودور العرض عن هذا الجنس السينمائي نظرا لضعف عائداته.

فالمشاهد العربي عموما لا يستهويه هذا الشكل االسينمائي رغم أهميته ويميل إلى الأفلام الروائية الطويلة ليغرق في قصة خيالية، الأمر الذي لا نجده في الأفلام الوثائقية حيث يغيب جانب الخيال ويحل محله الواقع, فيرنو الفيلم الوثائقي بالأساس إلى معالجة الواقع من خلال تسليط الضوء على قضايا وظواهر ملموسة قصد إظهارها للمشاهد برؤية سينمائية.

في هذا الصدد عرض مساء أمس الفيلم الوثائقي الطويل "مجاذيب" للمخرجة شيراز البوزيدي بقاعة الطاهر شريعة بمدينة الثقافة، حيث يجسّد الفيلم "مجاذيب"واقع فئة مهمشة اختارت من الفن والموسيقى ملجأ للهروب من بشاعة الواقع.

دلالات العنوان

"المجذوب" من جذب وتعني الإستلاب والتسليم والعشق، والمجذوب هو من جذبه الله إلى حضرته لينأى به إلى عالم الحق والخلود، فيعيش المجذوب في عالمه الخاص غائبا عن الواقع وزاهدا عن شهوات الدنيا متعلقا بالعالم العلوي.

فيصفهم الترمذي قائلًا "المجذوب هو من أعتقه الله تعالى من رق النفس،  فجذبه إليه، فصار حراً، وألزم المرتبة حتى هذب وأدب وطهر وزكي".

إلا أن المخرجة حادت عن المعنى الحرفي للكلمة لتعني بكلمة مجاذيب، التصوف في عالم الموسيقى وعشق هذا العالم والإنصهار فيه.

قصة الفيلم

تتمحور قصة الفيلم حول فرقة موسيقية في مدينة الرديف بولاية قفصة تعزف موسيقى السطنبالي فتتنقل بين المدن لإحياء الحفلات والمهرجانات الصغرى.

محمد "الرايونا" مؤسس الفرقة، رجل ثلاثيني مولع بموسيقى السطنبالي قرر تكوين فرقة موسيقية تعزف هذا اللون وأشرك معه مجموعة من الأطفال الذين يعيشون وضعيات إجتماعية صعبة.

وبعد فترة يدخل محمد السجن ويقضي شهرا في الإيقاف ثم يغادر في حالة نفسية صعبة فيغادر الفرقة ورغم محاولات بقية المجموعة إقناعه بالعودة يرفض وينعزل بنفسه في منزله، فـتقرر بقية المجموعة مواصلة نشاط الفرقة بمفردهم. الأمر الذي جعل المخرجة تهتم بأمر هذه الفرقة وتطلق عليها إسم "المجاذيب" نظرا لتعلق أعضاءه الشديد بالموسيقى. 

الموسيقى.. دافع للتعلق بالحياة

تطرقت المخرجة إلى الوضعية الإجتماعية لهؤلاء الأطفال الذي يعيشون ظروفا مادية وعائلية مزرية من مرض وتشرد وخصاصة  فتمثل الموسيقى بالنسبة إليهم المهرب الوحيد لتناسي أوجاعهم والمخرج الأنسب من الإنحراف والضلال.

دلالات المكان

تم تصوير الفيلم في ربوع مدينة الرديف بولاية قفصة، وهي منطقة نائية  تتعدد فيها "الزوي" (جمع زاوية أو مزار لأولياء الله الصالحين" ) ويكثر فيها المجاذيب أو أرباب الأحوال والمتصوفين والأولياء. 

غياب الحبكة الدرامية 

من نقائص الفيلم غياب التسلسل في الأحداث، فتعد الأحداث في الفيلم مبعثرة وتم الحياد في عديد الأحيان عن زاوية الفيلم والإطناب في التطرق إلى مواضيع أخرى مثل قصة حب هناء وناجح التي تعد مسقطة في الفيلم.

إخراج محترم وتصوير في غاية الإحترافية

تفوقت المخرجة شيراز البوزيدي على نفسها في الإخراج فيعد التصوير في الفيلم في غاية الإحترافية فتقنيات التصوير موظفة بشكل متقن مع وجود بعض الأخطاء الطفيفة مثل الإطالة في مشاهد الربط.

عن روعة موسيقى معتصم الأمير

تعد الموسيقى التصويرية لمعتصم الأمير من أفضل عناصر العمل فتخاطب الألحان "البدوية" الوجدان وتحاكي أجواء الفيلم بطريقة في غاية الإحترافية.

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.