“اللامركزية الثقافية بعيون أطفال الريف”.. عن صاحب “الكميون الثقافي” وحكايات مدادها الأمل والحلم

يسرى الشيخاوي-


"إنا هنا باقون..فلتشربوا البحرا.. نحرس ظل التين والزيتون.. ونزرع الأفكار كالخمير في العجين"، كلمات لشاعر المقاومة توفيق زيادة، تحاكي شعارا رفعه الفنان الشاب بلال العلوي وهو يسطر دربه في اتجاه تكريس اللامركزية الثقافية.
 
بلال العلوي، شاب أصيل منطقة ماجل بلعباس التابعة لولاية القصرين،  الفن دينه وديدنه، وسلاحه لمقاومة التصحّر الثقافي في المناطق الريفية التي انقطع عنها حبل ودّ الدولة.
 
والفنان الذي آمن بقدرة الثقافة على التغيير والتبديل، تفتقت مخيلته عن مشروع "الكيمون الثقافي"، ليزين بألوانه رتابة الهامش في بلدته الصغيرة التي لا تصلها رياح الثقافة، وباتت سيارة " 404" مساحة من الامل لأطفال لا ذنب لهم سوى أنّهم ولدوا خارج سياق المركزية.
 
لم يكن من السهل أن يحفر بلال العلوي في تلك الصخور التي خلّفتها سياسة الدولة حينما أنكرت على  أطفال المناطق الحدودية حقّهم في الثقافة وفي الترفيه، ولم يكن من الهيّنبعث الحياة في مكسرح متنقل في ظل التعقيدات الإدارية والصعوبات المالية.
 
ولأن في نظره رسالة والتزام، وتعبيرة عن الانتماء إلى تراب الأرض صرخ فيها صرخته الاولى، لم يستسلم امام العوائ التي اعترضت " الكميون الثقافي" ومضى يقتفي أثر ترانيم قلوب الأطفال والابتسامات المشعة في أعينهم.
 
وفيما يناضل البعض من اجل العدالة الاجتماعية، يقاوم العلوي كل أشكال الحيف من اجل عدالة ثقافية قوامها اللامركزية، عدالة ثقافية ترسم الفرحة وتقاسيم الدهشة على محيا الاطفال.
 
ومن ضحكات الأطفال، يشحن روحه ويجدّد الحياة في ثناياها، ويستلهم العزيمة والإرادة من نظراتهم المراوحة بين الامل والغموض، ضحكات وابتسامات ونظرات خلّدها بلال العلوي في معرض فوتوغرافي بعنوان " اللامركزية الثقافية في عيون أطفال الريف".
 
والمعرض  كان على شاكلة حبل علّقت عليه صور الاطفال الذين رمقت اعينهم "الكميون الثقافي" فنطقت برسائل لك أن تحسّها إذا نظرت إليها ولكنك قد تعجز عن ترجمتها إلى كلمات، وتبوّأ موقعا قبالة مسرح المبدعين الشبّان في مدينة الثقافة، وذلك في إذار ااحتفاء بولاية القصرين في تظاهرة " أيّام الجهات، مدن الفنون في مدينة الثقافة".
 
نفس الأسلوب الابداعي العميق والبسيط في ذات الآن ينتهجه بلال العلوي في كل المرة، ليتردّد صدى رسائل الهامش في المركز، لا يعرف اليأس طريقا إلى روح الفنان فيه ولا يملّ المحاولة من أجل حق أطفال الريف في الثقافة.
 
أنت قطعا لا يمكنك مقاومة ضحكة طفل أغمض عينيه على وقعها، ولا يمكنك الصمود أمام ابتسامة ارتسمت على شفتي طفل قبل ان تسكن عينيه، ولا يمكنك تجاهل الفرحة العارمة التي تجعل طفلة فاغرة الفاه لتختلط معالم السعادة بالدهشة، وأنت لا تملك إلا أن تطلق آهة أو تنهيدة وأنت ترمق دمعات مكتومة في عيني طفلة اخرى، ضحكات تلامس شغاف القلوب لأنها منها انطلقت وإليها تعود، عبرات ظلت حبيسة الاعين، مزيج من الفرح والوجع، وثقته صور  بلال العلوي.
 
ومعرض " اللامركزية في عيون اطفال الريف، ليس مجرّد صور بل هو حكايات مدادها الامل الحلم، تولّدت عن صدق فنّان وإيمانه بالفن وسيلة لتذليل الفوارق بين أبناء المركز والهامش، والصور لا توثق فقط تفاعل الاطفال مع الكميون الثقافي وإنّما توثّق أيضا قصّة صبر وجلد بطلها بلال العلوي، قصة أعمق من صدق ابتسامات الاطفال وأبعد من الامل الساكن في عيونهم.
 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.