إضراب سيادة الاتحاد وتحرير اقتصاد البلاد (رأي)

بسّام حمدي-
في فترة يحتد فيها التكالب على المناصب السياسية وتتجاذب فيه طموحات وأهواء رجال البلاط مصلحة البلاد، وفي مرحلة تعكف فيها الحكومة على انشاء حزب سياسي جديد مُكتفية بتطبيق قرارات صندوق النقد الدولي كمشروع اقتصادي لها، وفي شهر جانفي الرمزي في تاريخ تونس، اختارت المنظمة الشغيلة كأكبر منظمة نقابية في تونس الانحياز الى موقع الدفاع عن القدرة الشرائية للموظفين والتصدي للتدخلات الأجنبية في القرار السيادي لتونس. 
 
ومن إضراب ديسمبر 1951 ومرورا باضراب ”الخميس الأسود” ) 26 جانفي 1978( واضراب”هروب بن علي” ) 14 جانفي 2011( ، واضراب اغتيال الشهيد شكري بلعيد ) 8 فيفري 2013( وصولا الى إضراب معركة الكرامة )22 نوفمبر 2018(  و إضراب اليوم 17 جانفي 2019، ما كان للاتحاد بعد سلسلة من المشاورات مع حكومة التجاذبات إلا أن يعلن عن تنفيذ  إضراب عام في كافة المؤسسات والمنشآت العمومية احتجاجا على استجابة الحكومة لتوصيات صندوق النقد الدولي بالتحكم في كتلة الأجور مقابل تهميش مقترحاته الرامية الى تحسين المقدرة الشرائية وتحسين جودة الحياة لدى الموظفين.
 
والمتأمل في تواريخ هذه الاضرابات ودوافعها، يلاحظ كونها أشكال احتجاجية تعلقت بشأن تونسي تونسي دون تدخل أجنبي، لكن إضراب اليوم وأبرز دوافعه ليس تعنت الاتحاد ولا استماتة الحكومة بمواقفها، بل ما انكشف في المفاوضات بين الطرفين من تدخل أجنبي في تسيير البلاد وخضوع الحكومة التونسية للاملاءات التي يضبطها صندوق النقد الدولي ويمليها على الشاهد في اتصالات مستمرة حتى أن هذا الطرف الدولي أصبح المفاوض الفعلي للاتحاد عوض الحكومة.
 
أكثر من 750 ألف موظفا سيجنّدهم الاتحاد للدفاع عن منظمة حشاد وفرض مطالبها وإعلائها على املاءات غرفة التحكم في الاقتصاد العالمي الكائنة بواشنطن ويدبر فيها صندوق النقد الدولي كل التوجهات الاقتصادية طبقا للموازنات الاقتصادية للدول العظمى مقابل اغراق بلدان النمو الاقتصادي في الكثير من الديون.
 
وفي إضراب اليوم رسالتين، أولى للحكومة بكون المنظمة العمالية تظل رائدة في الدفاع عن الموظفين التونسيين وذات سيادة وطنية لا تقبل وضع مصير منتسبيها تحت أهواء أعضاء مجلس ادارة صندوق النقد، ورسالة ثانية لصندوق النقد وتنبه الى كون تونس دولة مستقلة في قرارها الداخلي وذات سيادة وطنية ولا تقبل التدخل في شأنها الوطني رغم ما تمر به من انتكاسة اقتصادية جراء فترة التحولات الديمقراطية.
 
وفي استماته لمواقفه وفي تطبيق قرارات صندوق النقد وعدم الاستجابة لمطالب الشغالين وسعيه لكسر الاضراب بتسخير بعض الموظفين ودعوتهم للعمل وتهديدهم بعقوبات، أضاع الشاهد على نفسه فرصتين: فرصة أولى لكسب ود المنظمة الشغيلة وكسب دعم الموظفين في فترة يستعد فيها لاطلاق مشروع سياسي جديد وينبذه حزبه نداء تونس، وفرصة ثانية كان يستطيع فيها التعنت أمام صندوق النقد الدولي واخراج حكومته من تحت طائلة املاءاته الدائمة والمتجددة  بدعم دولي تحت شعار " مساندة المطالب الاجتماعية لدولة تمر بفترة انتقالية.
 
اللوم وكل اللوم عن الأطراف التي تتجاذب مصلحة البلاد من أجل المناصب والكراسي ولا عن طرف اجتماعي يحاول افتكاك حقوقا مشروعة من سياسيين رفضوا وضع بلاد الثورة على سكة القطار وظلوا يتنافسون على قيادتها.
 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.