“مصطلحات الخطاب السياسي التونسي المعاصر” للأستاذ محمد جلال بن سعد.. شعارات… وبعد!

بقلم محمد علي الصغير-
مرة أخرى وفي ظرف وجيز يحتضن فضاء مسرح كورتينا للفنان المسرحي محمد علي سعيد حفل توقيع وتقديم اصدار جديد. "مصطلحات الخطاب السياسي التونسي المعاصر" للأستاذ محمد جلال بن سعد هو كتاب توثيقي لفترة  قاربت الثماني سنوات والتي تمثل عمر الثورة التونسية الى حد الآن رصد خلالها الكاتب ما تيسر له من الشعارات والمصطلحات التي طفت على السطح في هذه الفترة الحساسة والمفصلية من تاريخ تونس. 
 
بحضور جمهور غفير فاق عدده طاقة استيعاب قاعة مسرح كورتينا بالقلعة الكبرى، قدٓم الأستاذ والمربٌي محمد جلال بن سعد كتابه الجديد الذي ينضاف الى قائمة اصداراته الكثيرة٠ "مصطلحات الخطاب السياسي التونسي المعاصر" كما تحدث عنه كاتبه هو عصارة مجهود فكري وبحث توثيقي وتأريخي متواصل. كما أنه يعتبر ثمرة مجهود شخصي مضن ومرهق بالنظر الى حجم  هذا الكتاب الذي فاق عدد صفحاته 500 صفحة جمعت بين النص والجداول والأرقام والصور.
 
عمل توثيقي بالأساس
 
هذا الكتاب الذي يتزامن اصداره مع الذكرى الثامنة للثورة التونسية هو مستوحى على ما يبدو من كتاب "مصطلحات الخطاب السياسي عند خير الدين باشا" للدكتور احمد عبد السلام  وهو من بين الذين تاثر بهم الكاتب ايّما تأثّر وقدوته التي يفتخر بها. فكان الإصدار جامعا لمعظم الشعارات التي تم ترديدها منذ بداية الحراك الثوري ومعظم المصطلحات التي تشكلت أو طغت على لغة الخطاب في تونس والتي خلقت حولها العديد من النقاشات وأثارت جدلا كبيرا. 
 
الكاتب قدم بعض المصطلحات والشعارات المفاتيح التي واكبت المسار الثوري وساهمت او توافقت مع تطور الاحداث السياسية  في تونس. ويرى جلال بن سعد صاحب كتب مختصة اساسا في الشأن التربوي وهو مجال اختصاصه الأصلي، ان الثورة كانت اقنتصادية بالأساس من خلال شعار "التشغيل استحقاق يا عصابة السراق" ثم "شغل حرية كرامة وطنية".  واضاف الكاتب ان هذه الشعارات تطورت رويدا رويدا لتتحول الى شعارات سياسية تطالب في البداية برحيل النظام واسقاطه من خلال شعارات مثل "الشعب يريد اسقاط النظام" ثم "ارحل DEGAGE" لتتواصل هذه الشعارات وتتطور مع تطور تسارع الاحداث مثل الشعارات المطالبة بحل التجمع او الغاء الدستور ومن ثَمّ بانشاء مجلس تأسيسي  وهي شعارات واكبت اعتصامي القصبة الأول والثاني لتظهر في ما بعد مصطلحات جديدة وغريبة عن مجتمعنا مثل "جهاد النكاح" وغيرها من الالفاظ الهجينة والمستفزة احيانا.
 
جلال بن سعد الذي لا يخفي تاثره ببعض الكتاب مثل ابو الفرج الاصفهاني وكتابه "الاغاني" أو إعجابه الشديد بكتاب "الامتاع والمؤانسة" لابي حيان التوحيدي بيّن ان فكرة القيام بهذا العمل التوثيقي شبيهة في بساطتها بهذين الكتابين الذين اصبحا بعد زمن غير بعيد، على غرار عدة كتب أخرى، بمثابة المراجع الادبية الهامة التي ينهل منها طلاب العلم والمعرفة. هذه البساطة والتواضع  كانت السمة الأبرز في شخصية الكاتب الذي أبدى حرصا شديدا على أن لا يصبغ الصفة العلمّية على عمله الذي يعتبره مجرد عمل توثيقي بالاساس. 
 
ولئن لم يتسنّ لمعظم الحضور الذين كان من بينهم وجوه سياسية وفكرية، الاطلاع على محتوى الكتاب قبل تقديمه فإن ما أورده جلال بن سعد من تفاصيل وحيثيات عن مضمون هذا الاصدار جعل عددا هاما من المتابعين يتفاعلون معه خصوصا في ما يتعلق ببعض الشعارات التي خلفت ردود افعال كبيرة  او التي تفادى الكاتب تضمينها في هذا العمل والتي يرى ان فيها مس وتطاول على ذوات الناس او مشاعرهم او مخالفة للاخلاق الحميدة  اوتعد على خصوصيات شخص معين او جهة بذاتها.
 
روح الدعابة والاسلوب المتميز الذي اعتمده الكاتب جلال بن سعد  خلا هذه الجلسة التي ادارها بكل تميّز سفيان الفقيه فرج رئيس جمعية  دروب للثقافة والتنمية بالقلعة الكبرى سهلا على الحضور استساغة هذا العمل والشغف باقتناء الكتاب الذي تضمن كما هائلا من الارقام والمعطيات الاحصائية والصور والجداول والمقالات الصحفية وغيرها من المواد الاحصائية والتوثيقية. وهذا ما يحسب للكاتب كذلك الذي عمل قدر الإمكان على البقاء على نفس المسافة مع كل الاطراف في معالجة بعض الشعرات خصوصا ذات البعد السياسي او الايديولوجي من خلال نقل كل النصوص التي ادرجها في كتابه بكل "امانة".
 
الكاتب لم يقتصر على مجرد العمل التوثيقي الصرف بل حاول القيام بمقارنات واعمال بحثية ومتابعات لتطور بعض الشعارات  ومدى مطابقتها للموجود او تفعيلها على ارض الواقع كما هو الحال مثلا في مسالة التشغيل حيث رصد  التطور السلبي للارقام والمعطيات الخاصة بالبطالة في بلد انتفضت شريحة كبيرة من شعبه مطالبة بالتشغيل.
 
لقاء بطعم خاص
لئن استمتع الحاضرون  بالتعرف على العديد من التفاصيل التي تضمّنها كتاب "مصطلحات الخطاب السياسي التونسي المعاصر" لجلال بن سعد فإن مشاركة المؤرخ القدير الدكتور خالد عبيد في هذه الجلسة أضفت رونقا خاصا واثرت اللقاء بشكل اشاد به معظم الضيوف. 
 
خالد عبيد الذي ساهم في هذا العمل من خلال التقديم له ابدى اعجابه بفكرة هذا الكتاب وطرافتها. ويعتبر المؤرخ صاحب الكتابات العديدة  والمتخصص في تاريخ تونس المعاصر أن "هذا الكتاب جاء ليبسط هذه الشعارات ويضعها في اطارها الظرفي والمجتمعي". وهو يرى ان لهذا العمل مزية لا يمكن جحودها وتتمثل في توفير مادة ورقية خالدة للأجيال القادمة في زمن طغى عليه نفور الناس من كل ما هو مكتوب. 
 
خالد عبيد لم يقتصر فقط على محتوى الكتاب بل انبرى يقدم بعض القراءات حول الثورة التونسية التي يعتبرها شخصيا "مجرد وهم بالثورة" اعتمل في اذهان الناس فاصبحوا يعيشونه على انه حقيقة مطلقة وثابتة والحال انه وكما يقول المؤرخ الذي  قضى سنوات طويلة في مدينة القلعة الكبرى مما جعله يكن لها حبا كبيرا "لقد خسرنا ثماني سنوات في عمر هذا الوطن والدليل أن سنة 2010 وهي اخر سنة في حكم النظام السابق أصبحت سنة مرجعية بالنسبة لعموم التونسيين وهو ما يدفعنا الى التساؤل لماذا اذا اهدرنا كل هذه السنوات…"
 
ولم يخف المؤرخ خالد عبيد الذي يواجه هجومات شرسة من قبل المتحاملين على الحكم البورقيبي  استياءه من انتشار ظاهرة العنف في بلادنا خصوصا بعد الثورة بالرغم من ان هذا "العنف موجود منذ القدم وهو مستبطن لكن يظهر ويطفو على الصطح وقت الازمات" كما هو الحال اليوم عندنا. كما يرى المؤرخ اننا   "نعيش مرحلة ضعف السلطة المركزية الذي ولد الشعور بالتطاول على السلطة وقد ساهم في ذلك هذا الدستور الذي لا يتماشى والمزاج الجماعي مع الشعب التونسي خصوصا في باب الحكم المحلي".
 
ويعيب خالد عبيد على الطبقة السياسية التي انجبتها مرحلة ما بعد 14 جانفي عجزها على "تمرير حلم جماعي للتونسيين  على عكس ما كان عليه الوضع مع اسلافنا بناة هذا هذا الوطن". ويرى ان النخبة اليوم ينقصها النضج الفكري. كما عرج على شعارات ومصطلحات مثل "التفاوت الجهوي" و"التمييز الايجابي" وغيرها من العبارات التي وردت في كتاب الاستاذ جلال بن سعد مبرزا أن "العداوات الموجودة حاليا بين ابناء الجهات هي عداوات مصطنعة، كما ان  الحديث عن التفاوت الجهوي خاطئ لأن هناك خلل في ما يسمى بالمنوال التنموي الذي استنفذ ولم يعد قادرا على تقديم اي اضافة"
 
وتجدر الإشارة الى أن الدكتور خالد عبيد هو كاتب سيناريو الفيلم الوثائقي "تراجيديا الاستقلال" الذي يتناول محاولة الانقلاب على الزعيم الحبيب بورقيبة سنة 1962. وهو عمل ساهم في اخراجه واعداده صحفيا الشقيقتان مبروكة وفتحية خذير. كما تجدر الاشارة ان هناك مساع حثيثة لاستقدام فريق العمل وتقديم هذا الفيلم على خشبة مسرح كورتينا الذي اصبح اليوم قبلة العديد من الأنشطة الثقافية بمختلف مجالاتها.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.