في الذكرى الـ20 لوفاة منور صمادح: هل تنصف الدولة شاعرا أفقده الاستنطاق عقله؟

يسرى الشيخاوي-
 
في الثامن والعشرين من الشهر الجاري تمر عشرون سنة على رحيل الشاعر منور صمادح، عقدان من الزمن يمرّان على رحيل الشاعر الذي ناصر الثورات وحركات التحرر في العالم، ومازالت حقيقة الانتهاكات التي طالته عصية على الانكشاف.
 
منور صمادح  ولد في نفطة عام 1931، عصامي التكوين تغنّى بالوطن والحرية والثورة والحب وكا ما هو جميل، وكان من المساندين للحبيب بورقيبة وكانت علاقة الشاعر ورئيس الجمهورية جيّدة حتّى أنّ بورقيبة كان لا يلقي خطابا إلا بعد أن يتلو منور صمادح قصيدة يلهب بها حماسة الحشود، إلا أنّ العلاقة بين الرجلين عرفت منعرجا خطيرا في الستينات، وفق حديث قريب منور صمادح الصحفي حمزة مرزوق.
 
والشاعر منور صمادح الذي كان يؤمن ببورقيبة رجلا دولة ومنقذا لتونس من الاستعمار سانده في البداية، ولكن مواقف الشاعر الذي كتب " ابتسم يا شعب" انقلبت إلى النقيض من "الزعيم" بعد أن سلك سبيل الحكم الواحد المعبّد بالمحاكمات السياسية، ومن مادح لنضالات "الزعيم" تحوّل صمادح إلى ناقد لاذع للسلطة الحاكمة في تونس، نقد جعله فريسة عديد الانتهاكات التي تطالب عائلته بالكشف عن حقيقتها، وفق رواية مرزوق.
 
وفي حديثه عن توتّر العلاقة بين بورقيبة وصمادح وانقطاع حبل الوردّ بينهما، يقول حمزة مرزوق " منورر صمادح كتب عديد القصائد المناهضة للنظام والقطرة التي أفاضت هي بيتان بلغ فيهما أقصى درجات النقد حينمالا يقول " شيئان في بلدي قد خيبا أملي..الصدق في القول والإخلاص في العمل، علما وأن الإخلاص في القول والصدق في العمل هو شعار الجمهورية".
 
وحينما تأكّدت ميول منور صمادح القومية العربية خلال محاضرة عن الغزو الفكري ألقاها في المؤتمر الخامس للأدباء العرب ببغداد سنة 1965، ازدادت العلاقة بينه وبين بورقيبة تأزما، ومن ضمن ما كتب الشاعر"عهدي به جدّا فصارَ مزاحَا.. بدأ الضحيّة وانتهى السفّاحا/من حرّر الأجساد من أصفادها..عقلَ العُقُولَ وكبَّلَ الأرواحا/ كان السجينَ فصار سجّانًا لها.. يا من رأى سمكًا غدَا تمساحا/البابُ فتّحه الذين استشهدوا..فلمن تُرى قد سَلّمُوا المفتاحَا؟.
 
عام 1967 أخذت العلاقة بين الشاعر والسلطة منحى أكثر خطورة اثر تتبعه أمنيا واستدعائه لإدارة الأمن الوطني للاستنطاق، وهو الأمر الذي لم يتقبله الشاعر الذي كان مرهف الحس، وبعد عدّة استنطاقات انطلقت معاناة الشاعر مع الأزمات النفسية حيث بات يتردّد بصفة دورية على مستشفى الرازي بمنّوبة، وهو ما يثير عديد التساؤلات بشأن ما حصل في مراكز الاستنطاق وفي وزارة الداخلية، وفق قول قريب الشاعر الراحل.
 
وبعد الاستنطاقات قرّر منور صمادح السفر إلى الجزائر حيث عمل في مجال الأدب وفي جريدة الشعب ليعود إلى تونس سنة 1969 وتنطلق رحلة الأزمات النفسية ويتم إيداعه في  الرازي من جديد بعد ان أنهكته الاستنطاقات وسببت له هلوسات جعلته يحدّث نفسه في الشارع ويحكي عن ملاحقة الامريكان له، على حد قول قريبه. 
 
"ليس بالهزل ولا بالجهل خوض الكلمات.. وتألمـــت كثــيــــرا في جـــراح الكلمات.. وسفحت العمـر دمعا من عيون الكلمات.. ولقــــد مـــت مرارا في سبيــــل الكلمات
..صلبوهــــا ثم جـــاؤوا ورثـــوها الكلمات.. فصــدور النــاس قد كانــت قبورالكلمات.. يستجيــرون بها منها .. وأيــن الكلمات.. بيــع ما فيهم من الحس فماتوا الكلمات.. كالدمى الخرساء لا تعرف معنى الكلمات.. هي لحـــــــن بشــــري رددتـــــه الكلمات"، أبيات من قصيدة "كلمات" لفقيد الكلمة منو صمادح، قصيدة كتبها في 2 ديسمبر 1969 وتسلمها منه شقيقه عبد الرحيم صمادح وهو على فراش المرض. 
 
ومنذ سنة 1973 لازمت الازمة النفسية منور صمادح، وانقطع عن كتابة الشعر وانزوى في منزل أقرب إلى "الخربة" في جهة سكرة، وظلت حيثيات الاستنطاقات والانتهاكات التي طالته في الداخلية والمراكز موشّحة بالغموض.
 
والشاعر منوّر صمادح الذي دفع ضريبة النقد باهضة، حظي بجائزة تقديرية للآداب سنة 1989، إلى جانب فيلم وثائقي واحد بعنوان "كلمات" أنجز سنة 2012،  يلقي الضوء على حياته.
 
وبعد مرور عشرين سنة على رحيله، تطالب عائلة منور صمادح بردّ الاعتبار للشاعر الذي رفع لواء الحرية والثورة في  قصائده  وكشف حقيقة الانتهاكات التي طالته، وفي هذا الصدد تقدّم قريبه( حفيد أخت منور صمادح)  في 12 جوان 2016 بملف لهيئة الحقيقة والكرامة لكشف ملابسات عمليات الاستنطاق وما تخلّلها من إهانة وتعذيب.
 
وتطالب العائلة، وفق حديث حمزة مرزوق، بإعادة طبع الاعمال الشعرية الكاملة، علما وأن شقيقه قام بطبعها بدعم من وزارة الثقافة سنة 1995 ونفذت كل النسخ، وتدعو أيضا إلى إدراج قضائده  في برنامج التعليم الثانوي في باب الشعر الوطني خاصة وأنها كانت تدرّس في السابق إلى جانب إدراجها في مناهج التعليم الجامعي ودعم وزارة الثقافة للملتقى الوطني للشاعر منور صمادح الذي ينعقد كل سنة في قمرت. 
 
وتأمل عائلة منور صمادح التي اختارت طريقا صعبا لردّ الاعتبار لفقيد الكلمة عبر مسار العدالة الانتقالية، في أن تنكشف حقيقة الانتهاكات التي طالت منوّر صمادح، فهل تنصف الدولة شاعرا تغنى بالحرّية والثورة في بلد أبهر العالم بثورته، فهل تنصف الدولة منور صمادح في الذكرى الـ20 لرحيله.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.