“فتوى” لمحمود بن محمود: احذر فخلف بعض الفتاوى دماء

يسرى الشيخاوي-
 
دم يغشى زجاج البلور في مطار تونس قرطاج الدولي، رقبة رجل مفصولة عن رأسه، وملتح يرتدي قميصا، ويمسك سكينا يقطر دما، نهاية صادمة لفيلم " فتوى" المخرج محمود بن محمود.
 
نهاية صادمة لكنها تجسّد حقيقة يعيش على وقعها العالم في ظل تسرب التطرف والإرهاب إلى المجتمعات، من خلال النهاية التي توقفت معها أنفاس المشاهدين عرى الفيلم حقيقة بشعة، ووجها مرعبا للإرهاب.
 
انطلقنا من المشهد الأخير للفيلم، لبلاغته ولعمق الرسالة التي يحملها في تفاصيله، موت ابراهيم الناظور ( أحمد الحفيان) على يد الإرهابيين الذين قتلوا ابنه وهددوا زوجته بعد أن خال أن القضاء قد قطع دابرهم، دعوة إلى الحذر واليقظة في وجه هذه الآفة التي تنهض من الرماد، دعوة تحمل في باطنها خنوعا للواقع وانهزامية في مواجهته.
 
الدوامة
 
فيلم " فتوى" فيلم روائي طويل للمخرج محمود بن محمود، وهو إنتاج تونسي بلجيكي، شارك فيه كل من أحمد الحفيان وغالية بن علي وسارة الحناشي وجمال المداني.
 
ينطلق الفيلم في مطار تونس قرطاج الدولي بوصول ابراهيم  الناظور الذي يؤدي دوره الممثل أحمد الحفيان، والد بلغه نبأ وفاة ابنه في حادث دراجة نارية.
 
إثر بحث وتمحيص تتعمق شكوك الأب في أن ابنه لم يمت في حادث سير، وهو الذي تعود المرور من ذلك الطريق منذ امد طويل.
 
بعد ان بلغه خبر عيش ابنه مروان  بمنزل في نهج " المر" بالعاصمة بعيدا عن أمه لبنى السياسية وعضو مجلس نواب الشعب وتؤدي دورها الفنانة غالية بنعلي، تنقل ابراهيم إلى ذلك المنزل حيث بدأت الأسرار تنكشف تباعا.
 
جرح الفراق مازال فاغرا فوه، وابراهيم يكتشف أنه تم التغرير بابنه واستقطابه لمجموعة متطرفة ، " مروان" الشاب المتفتح المتحرر الذي يدرس الفنون الجميلة، ماعاد مقبلا على الحياة وقع في شراك  عقيدة مغلوطة قوامها العنف والتطرف.
 
الوالد المفجوع في ابنه وأمام كم الحقائق التي توصل إليها، لم يرض بغلق ملف القضية وواصل النبش في أحداثه بمفرده حتى تمكن بعزيمته وبمساعدة زوجة الامير موسى بالصوف التي تؤدي دورها سارة الحناشي  من كشف مخططات المجموعات الإرهابية التي كانت تسعى لقتل طليقته "لبنى".
 
وبعد أن ظن "ابراهيم" أن كابوس الإرهاب قد زال عاد إلى المطار مرة أخرى ليلتحق بابنته وزوجته في فرنسا ويباشر عمله في السياحة من جديد، لكن الإرهاب كان يتربص به، المطار دخله قدوما من تونس واقفا على قدميه ودخله ذهابا إلى فرنسا ملقى على الأرض مضرجا بدمه.
 
البداية كانت في المطار والنهاية أيضا وللمكان رمزية ربما أراد المخرج من خلالها القول بأن الوضع في تونس لم يبارح مكانه وأن شبح الإرهاب مازال قائما.
 
حذار.. "فتوى" قد تخفي دماء
 
لا أحد من المشاهدين كان يعتقد أن الفتوى التي أصدرتها جماعة إرهابية لإباحة دم السياسية "لبنى" قد تكون سببا في مقتل ابنها على يد الجماعة التي استقطبته في حادث دراجة نارية مدبر، وخاصة تنتهي بموت طليقها الذي أفشل مخططات اغتيال كانت الجماعة توشك على تنفيذها.
 
الفتوى أصدرتها الجماعة إثر صدور كتاب السياسية " لبنى"، كتاب يتحدث عن نظرياتهم ومرجعياتهم ويفضح ظلاميتهم، أزعجهم الأمر هددوها في البدء بالرسائل والاتصالات ثم عبر استقطاب ابنها الذي حاول فيما بعد التأثير فيها لسحب كتابها من المكتبات لكنها لم ترضخ لإلحاحه فكان أن مات ابنها في حادث مدبر.
 
"لبنى" كانت تحت حراسة مشددة، ولكنها لم تتراجع عن موقفها المناهض للرجعية والظلامية، وواصلت إدانة الاطراف التي ساهمت في تسفير الشباب إلى سوريا وبسط الأرضية للاغتيالات السياسية.
 
الفتوى التي أباحت دماء "لبنى" أسالت دم ابنها الذي عارض قرار جماعته القاضي باغتيال أمه، ولما خال الجميع أن الأمر انقضى بإفشال مخططات اغتيال شخصيات سياسية وإعلامية وحجز أسلحة في المسجد الذي سيطرت عليه الجماعة التي كان ينتمي إليها " مروان"، يظهر الإرهاب من جديد ليريق دماء "ابراهيم"، هكذا هو الإرهاب يظهر من حيث لا تعلم.
 
"فتوى" يضع الأصابع على الجراح
 
فيلم "فتوى" أعاد إلى الذاكرة فترة من تاريخ تونس الحديث صبغتها دماء الإغتيالات السياسية وهمجية المتطرفين الذين علقوا بالزوايا والاضرحة ناهيك عن تسفير الشباب التونسي إلى سوريا تحت كذبة الجهاد.
 
والفيلم يلفت الانتباه إلى أن الإرهاب يمكن أن يخترق كل البيوت وهو ما يستوجب اليقظة فوالدا " مروان" لم يعتقدا يوما أنه سيكون فريسة في شراك الظلاميين.
 
بأسلوب بوليسي مشوق تنحبس معه الانفاس عند كل منعرج في السيناريو، وتنفرج معه عند انكشاف حقيقة جديدة، تناول الفيلم ظاهرة الإرهاب سياسيا واجتماعيا، حاملا في ثناباه رسائل توعية وتحذير من هذه الآفة.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.