خلف قضبان السجن فنانون

يسرى الشيخاوي-
طريق تحيط به الخضرة على الجانبين يؤدي إلى بناية بيضاء عالية حيطانها، ابواب مغلقة، وسكون صاخب تقطعه اصوات محركات السيارات، إنه السجن المدني بالمسعدين حيث يقضي نساء ورجال عقوباتهم السالبة للحرية.
بياض الحيطان يشبه لون الكفن، تخال لوهلة أن لا شيء يبعث الحياة هنا، ولكن ما إن تمر عبر البوابة الرئيسية للسجن حيث يتثبت أعوان السجون والإصلاح من هويتك حتى تطالعك صور تنبض حياة، صور تنبعث من تفاصيلها رسالة مفادها "نحن أحرار .. نحن أحياء".
طواحين هواء، بحر ازرق ممتد، طبيعة عذراء لم تمسسها يد البشر، كانت هذه بعض الصور الحائطية التي رسمتها أنامل مساجين في سجن المسعدين، صور عبروا بها عن ذواتهم وعن نظرتهم إلى العالم الخارجي، متجاوزين حاجز الحيطان.
أيام قرطاج السينمائية في السجون التي تنظم بالشركة بين المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب والإدارة العامة للسجون والإصلاح وإدارة أيام قرطاج السبنمائية، مثلت فرصة الصحفيين لاكتشاف وجه آخر للمساجين، وجه يرشح إبداعا وفنا.
وعلى امتداد الممر إلى القاعة التي سيعرض فيها الفيلم أمام سجينات وسجناء المسعدين، عرضت أعمال المساجين الفنية، فكانت عنوانا الحرية التي تمتد إلى ما وراء أسوار السجن.
بحر وسفن، شمس في غروبها وإشراقتها، ألوان تنضح حياة وأملا، إمرأة تسكن قلب لوحة بنظرة تحد وأحمر شفاه أحمر جدا وصارخا جدا، إمرأة بعين واحدة ربما هي تجسيد الحرية في نظر السجين الذي رسمها، ربما روحه تعانق فضاء الحرية لكن جسده لا ينفك يرتطم بأسوار السجن، قلعة بشبابيك كثيرة رسمت على خلفية هي سماء زرقاء ممتدة، يبدو ان من رسمها كّل حيطان السجن ومل من معانقة السماء بمواعيد.
صورة أخرى لشخص يرتدي لباسا ابيض ويتوسط صحراء، يظهر أنه شخص قد زهد عن الدنيا، ربما أراد السجين ان يقول إننا ولدنا كلنا أبرياء انقياء كثوب أبيض لكن مسارات الحياة قد تغذيك بأفكار شيطانية تكون سببا في سلب حريتك.
كثيرة هي اللوحات التي أعدها المساجين، وكثيرة هي المعاني التي تحملها، هي خلق من رحم الحنين إلى الحرية، هي نظرة أخرى للعالم، تحدها أسوار السجن ماديا ولكن روحيا لا حدود لها.
المساجين يحولون ما يعتمل بنفوسهم إلى رسوم عميقة المغزى، وهم أيضا يشكلون خلجات أنفسهم في مجسمات قدت من جبس وخيوط الصوف والصابون وأكياس "النيسكافيه".
حقائب من "النسكافيه، سيارة من الصابون، تماثيل من الجبس، متقنة التشكيل، ولكن يبقى ذلك المجسم الذي يصور جنديا يحمل علم تونس كتب عليها نموت ويحيا اىوطن، جميل هذا المجسم والاجمل الرسالة التي يحملها، تونس وطننا نحمله في قلوبنا حتى ونحن مسجونون.
وعلى باب قاعة عرض فيلم " غزالة" للمخرجة هاجر النفزي علقت لوحة، جسّد فيها السجين إمرأة دون أن يحدد ملاممحها، الحرية أيضا إمرأة تختلف ملامحها من مكان إلى آخر ومن زمن إلى آخر، المرأة تعزف رغم وجود باب مغلق خلفها، وحتى المساجين يحلقون بخيالهم بعيدا عن أسوار السجن.
وللسجينات في سجن المسعدين نصيب من الإبداع، إذ يصنعون الحلي والحلويات ويخطن الأزياء، ومن المنتظر أن تنظّمسجن المسعدين بعد أسبوعين معرضا لإبداعات المساجين في دار الثقافة بسوسة.
وفي جانفي المقبل، سينتظم معرض بسيدي بوسعيد سيضم إبداعات السجناء في كل الوحدات السجنية بتونس، ومن بينها الأعمال الفنية للمساجي في سجن المسعدين، التي بعثت حياة أخرى تتجاوز حبسهم.
 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.