18
حقائق أون لاين-
خلال ندوة نظمتها النقابة العامة للحرس الوطني بمناسبة الذكرى الخامسة لشهداء سيدي علي بن عون بعنوان "صورة عون الامن في الثقافة العربية "قدمت الإعلامية والمخرجة والمنتجة مبروكة خذير مداخلة تحدثت فيها عن صورة عون الأمن في السينما التونسية وخصوصيات شخصية الامني في الافلام الروائية والوثائقية.
وقالت مبروكة خذير في مداخلتها امام جمع من الامنيين والخبراء والمختصين في مجال علم النفس والاجتماع إن الوقت قد حان لمراجعة صورة عون الامن في السينما التونسية.ولئن تناول موضوع اللقاء صورة عون الامن في الثقافة العربية ككل فان تونس هي الأكثر حاجة الى تفكيك ما تبدو عليه شخصية عون الأمن في الاذهان والتصورات السينمائية.
وجاء في مداخلة مبروكة خذير ان "صورة عون الأمن في الانتاج السينمائي مازالت صورة قاتمة تقدم شخصية عادة ما تكون سلبية في الأفلام التونسية ولعل تونس التي قادت ثورات الربيع العربي هي اكثر حاجة الى تفكيك وتحليل صورة عون الأمن في ثقافتها وموروثها ولكن الأهم ان نفكك هذه الصورة في حاضر الأيام حتى نستطيع أن نقف على ماهو إيجابي فيها وندعمه وما يكتنفها من خلل ونقص يمكن أن نتجاوزه في مستقبل الأيام في تونس التي تعيش انتقالا نحو الديمقراطية ديمقراطية ابرز مقوماتها امن جمهوري يحترم حقوق الإنسان ويرسي علوية احترام القانون".
واعتمدت مبروكة خذير في تحليلها امثلة حديثة من افلام أنتجت وأخرجت في السنوات الاخيرة وفيها مضمون يتناول بشكل معمق صورة عون الأمن في السينما التونسية ، صورة تبدو في مجملها قاتمة تتحدث عن ما يمارسه أعوان الأمن من تجاوزات وإهانات أثناء أداءهم لمهامهم.
وشخصية عون الأمن في الافلام السينمائية التونسية سيما الروائية كثيرا ما تقدم كشخصية تمارس التعذيب في مراكز الإيقاف أو في الطريق العام، هي شخصية تتجاوز صلاحياتها في ضمان الأمن العام وتتحول إلى شخصية تتشفى وتنتقم من الآخر وتمارس عليه شتى صنوف إهانة الكرامة، وفق تعبيرها.
ولان السينما كثيرا ما تنهل من الواقع، ولان علاقة السينما والواقع علاقة وطيدة جدًا، فالسينما هي بشكل ما تعبير عن الواقع، وهي طريقة للتأثير على طريقة رؤيتنا للأشياء أيضًا فان صورة عون الأمن في الواقع هي ما نجده منعكسا في أفلام الفن السابع في تونس، وهذا التشكل السلبي لشخصية عون الأمن سواء في الواقع او في سيناريوهات الافلام التونسية تتحمل الأنظمة الديكتاتورية مسؤولية ترسيخها في اذهان المثقفين من أهل القطاع السينمائي غير أن السينما ليست فقط صورة للواقع أو انعكاس له بل هي أيضا تأسيس للمستقبل و رسم لانموذج مرغوب و مطلوب، وفق قولها.
وكثيرا ما اتخذت الأنظمة الاستبدادية من عون الأمن العصا الغليظة لفرض سيطرتها على الشعوب لذلك فإن هذا الواقع امتد لما ينتج من مادة سينمائية تريد أن تعري تلك الصورة و تنتقدها و تعبر عن رفضها بأسلوب فني الهدف منه توعية الجمهور المتقبل بما يمارس من تجاوزات، فوق ما جاء في مداخلة مبروكة خذير.
وتضيف ان هذه الصورة القاتمة التي كثيرا ما تبرز بطش الامنيين في الأدوار السينمائية لازلت تسيطر حتى اليوم على المضامين السينمائيةورغم ما تبذله وزارة الداخلية بنقاباتها و اعوانها ومسيريها من جهود لتغيير عقلية رجل الأمن و ترسيخ مفهوم الأمن الجمهوري الوطني فان ما يحصل في الواقع من تجاوزات من فترة لأخرى يجعل العقلية تبقى على حالها سواء في الواقع او في عالم الخيال السينمائي، وفق تعبيرها.
وحاولت وزارة الداخلية اكثر من مرة ان تقنع الآخرين بما تقوم به من إصلاح لسلك الامن و ارساء لمفهوم الامن الجمهوري غير ان ممارسات كثيرة تتصدر وسائل الاعلام و مواقع التواصل الاجتماعي تجعل الصورة لا تبارح مكانتها في اذهان الناس و كذلك في ذهن السينمائيين، على حد قولها.
وفي اطار حديثها عن أمثلة تعمقت في شرح شخصية عون الامن في الافلام التونسية استأنست مبروكة خذير بمثال سينمائي تناول بإطناب صورة عون الأمن بكل جزئياته وهو فيلم المخرجة التونسية كوثر بن هنية "على كف عفريت " إذ عكس هذه صورة قاتمة لاعوان الأمن وأعاد إنتاج الواقع بطريقة فنية سينمائية مؤثرة جدا .
وتروي تفاصيل الفيلم قصة شابة تونسية تداول على اغتصابها اعوان الأمن ثم اغتصب حقها في الشكوى أعوان أمن آخرون تعاطفوا مع زملائهم الذين ارتكبوا جريمة الاغتصاب منذ البداية ولا تعد حادثة اغتصاب اعوان الامن للفتاةً مريم حادثة متكررة في المجتمع التونسي لكن تلك الحادثة التي هزت الرأي العام في 2015 أصبحت مادة سينمائية استوحت حيثياتها كاتبة السيناريو كوثر بن هنية في فيلم "على كف عفريت " الكثير من الأحداث التي أثثت الفيلم وهي لا تعد قاعدة أو ممارسة يومية لكنها على بشاعتها مثلت مادة استوحت منها مخرجة الفيلم و كاتبة السيناريو فيه أحداثا سردتها بأسلوب فني سينمائي يعري ما يحصل في الواقع.
و لئن بدا عون الامن في الفيلم في صورة المغتصِب المتجاوِزِ لصلاحياته الا ان كوثر بن هنية ذهبت لأكثر من ذلك لتصنع من شخصيات الفيلم من الامنيين عصبة واحدة مترابطة يدافع بعضها عن بعضها الاخر حتى ان كان على خطإ.
وهزت حادثة اغتصاب الفتاة مريم من قبل الامنيين الرأي العام التونسي و لكن يبدو انها هزت ايضا المخرجة كوثر بن هنية لتكتب سيناريو يعكس صورة قبيحة عن عون الامن ،صورة هزت من شاهدوا الفيلم و هزت أيضا الأمنيين الحاضرين بالندوة بيد ان الحبكة الدرامية في الفيلم ذهبت لأكثر من ذلك لتبرز ان صورة عون الامن السلبية لا تتعلق بممارسات فردية بل هي منهاج و منظومة برمتها، وفق مداخلة مبروكة خذير.
وفي احد فقرات الفيلم تظهر شخصية عون امن يحظى بقدر من الانسانية جعلته يتعاطف مع الفتاة المغتصبة و يشفق عليها وشخصية عون الامن الذي رق لحال الفتاة المغتصبة و استنكر تكتل زملائه على مناصرة الخطيئة بدت صورة منفردة فشخصية عون الامن الطيب اصطدمت بشخصيات امنيين اخرين يمثلون منظومة برمتها توارثتها اجيال من امنيين عملوا تحت راية أنظمة بوليسية مستبدة .
و في سياق مواصلتها للأمثلة و تفسيرها لما بدت عليه صورة عون الامن في فيلم على كف عفريت قالت مبروكة خذير في ختام مداخلتها ان صورة عون الامن السلبية في ما تنتجه السينما التونسية من أفلام لن تتغير ما دام في الواقع صورة تعكس منظومة أمنية مازالت في مجملها سوداء تحتاج الى كثير من العمل لتصبح بيضاء ناصعة في اذهان الناس و منهم السينمائيون الذي يعدون جزءا يتاثر بما يحيط به و يؤثر من خلال ما ينتجه.
والمسألة بحسب اعتقادها مرتبطة شديد الارتباط بما يحصل في الواقع من تغيرات وتحولات تخص المؤسسة الأمنية والمؤسسة الأمنية ستكون ممثلة بأسلوب إيجابي كلما تبنت بأعوانها مفهوم الامن الجمهوري وقتها فقط ستصبح صورة عون الامن في السينما ملتحفة بالإيجابية أو أن تتجاوز السينما التونسية التعريف الكلاسيكي من سينما الواقع إلى سينما التاسيس لواقع جديد و لو أن الأمر يبدو بعيد المنال الآن، على حدّ تعبيرها