أمثلة لقضايا شهيرة أثيرت بعد الثورة: من يقف وراء عدم تنفيذ أحكام المحكمة الإدارية؟

 تقرير من إعداد: رشاد الصالحي –

هل أن أحكام المحكمة الإدارية قابلة للتنفيذ؟ أم هي مجرد حبر على ورق؟ وإن كان الأمر كذلك، فما مبرر وجودها أصلا إذا كانت تصدر أحكاما وتقرّ فيها بحصول الضرر والظلم على المدّعي لكنّها لا تنفّذ؟ بمعنى أن إنصاف المظلوم حاصل ورقيّا فحسب ولم يدخل حيّز التنفيذ؟.

هذه الأسئلة لم تكن لتطرح لولا الإشكال التنفيذي المطروح لتفعيل نسبة كبيرة من قرارات المحكمة الإدارية.

أحكام منصفة وبعد؟

(ل.ع) مدير سابق لإحدى المؤسسات التربوية بجهة الكاف، كان يدير مؤسسته بشكل اعتيادي. إلاّ أنّ وزارة التربية قامت بإعفائه من خطته الوظيفية رفقة 2000 مدير وناظر دراسات بموجب مذكرة صادرة عن وزير التربية السابق الطيب البكوش بتاريخ 6 جويلية 2011 تحت عدد 10178. هذا القرار خلف ضررا ماديا ومعنويا ل (ل.ع) وزملائه. 

وكان من الطبيعي أن يتقدم المتضررون بشكوى إلى المحكمة الإدارية باعتبار أن فحوى المذكرة الصادرة عن وزير التربية الأسبق تتعارض والتشريعات المنظمة لقطاع التربية وتناقض الأمر عدد 1257 المؤرخ في 21 ماي 2007. وتشكلت للغرض ودادية أطلقت على نفسها اسم "ودادية 5 جويلية لقدماء مديري ونظار معاهد وإعداديات وزارة التربية" وقدمت شكوى عن طريق أحد المحامين إلى المحكمة الإدارية وضمنتها كافة الوثائق الضرورية لتدعيم ملف الشكوى.

ويوم 11 ماي 2014 أصدرت المحكمة الإدارية حكمها الآتي "قبول الدعوى بوقف المذكّرة وإلغاؤها شكلا وأصلا وإلغاء القرار المطعون فيه وحفظ حق المدّعين في طلب التعويض". وفي 2 جوان 2016 توجّه عدل تنفيذ إلى وزارة التربية لإعلام وزير التربية بالحكم الصادر عن المحكمة الإدارية والمنصفة للمديرين والنظار.

قضية أخرى لا تقل أهمية عن الأولى وهي إحالة 42 أمنيا على التقاعد الوجوبي يوم 1 فيفري 2011 في عملية سماها وزير الداخلية والتنمية المحليّة آنذاك فرحات الراجحي بـ"التطهير" في برقية صادرة عن وزارة الدّاخلية والتنمية المحلية ووصف المجموعة بأنها فاسدة ومتآمرة وأنها عصابة أمنية متآمرة على أمن الدولة وجب التخلص منها وإبعادها.

ومن بين من طالته عملية "التطهير" العقيد لطفي القلمامي الذي قضى 21 سنة عملا بوزارة الداخلية. وفي يوم 11 جويلية 2012 أصدرت المحكمة الإدارية حكما بإلغاء قرار الإحالة على التقاعد الوجوبي وإنصافه بالعودة إلى عمله. وكان العقيد لطفي القلمامي دعا رفقة زميله أنيس بن ماهية إلى مقاضاة وزير الداخلية ورئيس الجمهورية باعتبارهما المسؤولين عن عدم تنفيذ أحكام المحكمة الإدارية.

الرئيس الأول للمحكمة الإدارية أصدر وفي قضية أخرى حكمه لصالح نائب رئيس هيئة الحقيقة والكرامة زهير مخلوف الذي أعفي من مهامه، لكنّ رئيسة الهيئة سهام بن سدرين لم تعترف بالحكم الصادر عن المحكمة الإدارية لصالح مخلوف.

وكان زهير مخلوف قد كشف عن تجاوزات ادعى أن بن سدرين ارتكبتها. أهمها أن هيئة بن سدرين قررت إحالة 1200 قضية على القضاء من بينها 583 قضية ضد أمنيين بتهمة القتل العمد في حق مواطنين إضافة إلى 615 ملف تعذيب وهو ما اعتبره مخلوف انتقاما من المؤسسة الأمنية.

هذه عينة من العديد من الأحكام التي أصدرتها المحكمة الإدارية لكنها تصطدم في كلّ مرّة بإشكال تنفيذي وهو ما يجعل أحكام المحكمة الإدارية تقف في منتصف الطريق لتمكن المدّعي من نصف الحلّ 

هل أن المحكمة الإدارية جزء من الحل أم هي جزء من المشكل؟

تعتبر الفصول 8 ـ 9 ـ 10 من قانون المحكمة الإدارية من أهم الفصول. فالفصل الثامن مضمونه الآتي: "تلغى المحكمة الإدارية المقررات التي وقع الطعن فيها إذا ثبت لديها أن دعوى تجاوز السلطة ترتكز على أسس صحيحة. يكون لقرارات المحكمة الإدارية نفوذ مطلق اتصال القضاء فيما يخص دعاوي تجاوز السلطة عند الإلغاء الكلّي أو الجزئيّ ويكون لهاته القرارات نفوذ نسبي لاتصال القضاء في حالة عدم قبول الإجابة التي تستند عليها الدعوى. إن المقررات الواقع إلغاؤها بسبب تجاوز السلطة تعتبر كأنها لم تتخذ إطلاقا".

أما الفصل التاسع فيتضمن ما يلي: "يوجب قرار الإلغاء على الإدارة إعادة الوضعية القانونية التي وقع تنقيحا أو حذفها بالمقررات الإدارية الواقع إلغاؤها إلى حالتها الأصلية بصفة كلية".

في حين يعتبر الفصل العاشر عدم التنفيذ المقصود لقرارات المحكمة الإدارية خطأ فاحشا معمّرا لذمة السلطة المعنية بالأمر.

إن المحكمة الإدارية باعتبارها سلطة قضائية يقتصر دورها على إصدار الأحكام وإكسائها الصبغة التنفيذية وتبقى مسؤولية الإدارة في تحقيق المصلحة العامة وحسن سير المرفق القضائي وتوظيف الامتيازات لفائدة المواطن. ولأن الإدارة تساهم في وضع القانون فمن الطبيعي أن تخضع لأحكامه. لذا فإنّ الإشكال التنفيذيّ لا يقتصر على المحكمة الإداريّة. 

لماذا يتعطّل تنفيذ أحكام المحكمة الإداريّة؟

تصطدم أحكام المحكمة عند تنفيذها بحاجزين أساسيين أولهما استحالة التنفيذ نتيجة تأثير عامل الزمن في تغيير الوضعية مثل تغيير نتيجة خطأ في مناظرة بعد التقادم في الزمن كذلك عدم إمكانية إجراء عقل تنفيذية على ممتلكات الإدارة، إضافة إلى أنه لا يمكن إرجاع العون المعزول بعد التقاعد. 

أما الحاجز الثاني فيتمثل في غياب الجانب الجزائي في تونس على خلاف ما هو موجود في فرنسا، فالقانون الفرنسيّ يقضي بتغريم الإدارة عن كل يوم تأخير. أماّ المحكمة الإدارية في تونس فلا تقضي بغرامة المماطلة لأنها أولا غير منصوص عليها في القانون. ثانيا تتحول غرامة المماطلة من غرامة تعويضية إلى غرامة زجرية. فالتعويض الذي يخوّله قانون المحكمة هو غرامة جملية عن عدم التنفيذ وإذا تمّ الحكم بغرامة يومية فإن مقدارها سيتضاعف يوما بعد يوم وتصبح الغرامة زجرية وهو ما يتعارض مع روح القانون.فالقضاء بالغرامة ـ غرامة المماطلة والفائض القانوني ـ  يستوجب ضرر ثابت ومحدّد المقدار. والتعويض عن عدم التنفيذ ليس مطالبة بدين متخلّد بذمّة الإدارة، والمبلغ المطلوب ليس محدّدا بصفة مسبقة. 

الإدارة متهّم أم ضحيّة؟

يرى الأستاذ عبد الملك العبيدي المحامي لدى محكمة الاستئناف بالكاف، أن المحكمة الإدارية مثلها مثل المحاكم العدلية، تصدر قرارات وهي الأحكام في الأصل، وتطعن في القرارات والمقررات الإدارية، فالسلطة الإدارية حسب قوله، تصدر قرارات قابلة للطعن أمام المحكمة الإدارية، كما أن المحكمة الإدارية مختصة في قضايا التعويض الناجمة عن فعل الإدارة، لكن الإشكال أنّ هناك تماسّ بين بعض الإدارات والدولة ولذلك يصعب على الدولة أن تنفّذ أحكاما ضد نفسها أي عدم إمكانية التنفيذ على "فعل الأمير" أي فعل الإدارة التي تستمد سلطتها من الدولة.. ولذلك تمّ إنشاء مؤسسة الموفّق الإداري في محاولة للسعي إلى تنفيذ قرارات صادرة عن المحكمة الإدارية نظرا لغياب آليات الإذعان. 

كيف السبيل إلى تفعيل آليات التنفيذ؟

المحكمة الإدارية وإن كانت قراراتها تقوم إما على الإلغاء، أي إلغاء قرارات إدارية، أو على القضاء الكامل بالتعويض، فإنها تحتاج من المشرّع كما يشير إلى ذلك أحد عدول التنفيذ، أن يسنّ قوانين تفرض تنفيذ قرارات المحكمة الإدارية وتعاقب وتحمّل المسؤولية المدنية والجزائية لكلّ من يخالف ذلك لأن الأحكام تصدر وتُحلّى بالصيغة التنفيذية وباسم الشعب التونسيّ.

هوامش وأرقام:

يشمل القضاء الإداري الهياكل التالية:

1- المحكمة الإدارية: أنشئت في 1 جوان 1972 تختص المحكمة الإدارية في النزاعات المتعلّقة بالإدارة وفي دعاوى تجاوز السلطة التي ترفع لإلغاء كل المقررات الصادرة عن السلط الإدارية المركزية أو الجهوية.

2- دائرة المحاسبات: أنشئت في 8 مارس 1968 تختص دائرة المحاسبات بالنظر في حسابات وتصرف الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية والمؤسسات العمومية ذات الصبغة الصناعية والتجارية وكذلك جميع الهيئات مهما كانت تسميتها والتي تساهم الدولة أو الجماعات المحلية في رأس مالها.

3- دائرة الزجر المالي: أحدثت دائرة الزجر المالي في 20 جويلية 1985 وتختص بالنظر في محاكمة مرتكبي أخطاء التصرف إزاء الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية الإدارية والمشاريع العمومية.

* قامت المحكمة الإدارية وفق ما أكّدته عضو وحدة التواصل بالمحكمة الإدارية رفقة المباركي في تصريح إعلامي، بتحويل 3200 قضية إلى الدوائر الفرعية للمحكمة الإدارية بالجهات والتي انطلق العمل بها في شهر فيفري 2018. 

* نسبة الأحكام التي أصدرتها المحكمة الإدارية وتعطّل تنفيذها تجاوزت الـ50%.
 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.