فرقة نردستان المغربية: للتصوّف مذاهب كثيرة

يسرى الشيخاوي-

الموسيقى لغة التوحيد تجمع الناس على اختلافهم وتكسر كل حواجز التفرقة، الموسيقى هي النور الذي يغمر المكان واللامكان.

الموسيقى حرّية وتمرّد وثورة على الواقع وقيوده وتوهان في عوالم التصوف، هي فلسفة تستند إليها فرقة “نردستان” المغربيّة، “نردستان” شقّت طريقها في عالم الفن رافعة شعار ” حي على الإيقاعات.. حيّ على الكلمات.. قد حانت لحظات التصوّف”.

إيقاعات صاخبة كصخب روحي وليد بن سليم قائد الفرقة ورفيقة دربة وداد بروكو، روحين عانقا الحريّة وكفرا بضيق الأفق في بلدهما المغرب، حيث أبت السلطة واستكبرت ومنعتهما من مواصلة الغناء في بدايتهما مع موسيقى الراب، وكانت الهجرة إلى فرنسا سنة 2002، ليُبعث إثرها “نردستان” بعد بحث معمّق في عوالم الموسيقى.

وكلمات أغاني الفرقة مستمدّة من قصائد شعراء عرب على غرار المتنبي ونزار قباني واحمد مطر ومحمود درويش، ونصوص يؤلّفها وداد ووليد باللهجة المغربية، وهو اختيار يحسب لـ”نردستان” المجموعة التي حافظت على الهوية العربية في أعمالها وسعت إلى أن تجعل العربية لغة كونية من خلال الإيقاعات الموسيقية.

لحظات من التصوف تعيشها مع “نردستان” وأنت تتابع حركات وليد بن سليم يدور حول نفسه، وربّما حول الكون، يتطاير وشاحه، وتتسابق الإيقاعات الصادرة من الدرامز و”الإيقاع” والكلافيي، لتسدّ ثقب الكون، وتأخذ جمهور مهرجان الحمامات إلى عوالم خارج حدود الجسد.

حالة من الجنون أسرت وليد بن سليم ومارس طقوس “نردستان” على ركح مسرح الحمّامات، أحاسيس متناقضة تنتابك وانت تتابع هذه المجموعة الموسيقية التي تحمل عمق الإنسانية وفلسفة الاختلاف، تصبح أسير حالة ذهنية تصير معها الإيقاعات برزخا بين عالمين، جسدك يلامس الواقع وروحك ترتقي إلى السماء دون أن تغيّر مكانك، كلّ ما عليك فعله أن تصغي إلى النوتات بقلبك وتطلق العنان لروحك.

ورغم اغترابهما، الحنين إلى الجذور والفخر بالأصول كان صارخا في كلمات وليد ووداد اللذين آمنا بأن اللغة العربية واللهجة المغربية لن تكونا حاجزا أمام مشروعهما الفني، هما يؤمنان بأن الموسيقى التي تخرج من القلب تجد طريقها إلى قلب الآخر، الآخر الذي كان ممثلا في الجمهور الذي تفاعل مع الأغاني.

وأنت توغل في الإيقاعات، تتناهى إلى مسمعك أصوات المنافي وحنين المنفيين إلى أوطانهم، وتتخيّل نردستان وطن من لا وطن له، تداعب أنامل العازف نضال جاوة القانون فتنبعث من بين النوتات أنّات الموجوعين وآهات العاشقين، وتحمل ايقاعات الدرامز والكلافيي صرخات المتمرّدين، ويراود عماد العليبي اللآلات الإيقاعية فحكى قصص أعمار.

وفرقة “نردستان” حياة قوامها المغامرة والاختلاف، حياة تسير في درب لا تحدّه بداية ولا نهاية لا مولى له ولا سيد سوى التجديد والتجريب، حياة زيّنتها أنوثة وداد بروكو التي تتسلل من بين الكلمات المتمرّدة.

وداد كانت متوهّجة على المسرح، منتشية وهي تبعث الموسيقى الالكترونية، متمرّدة وثائرة وهي تشارك وليد بن سليم الغناء على المسرح، يغنّيان بكلمات عربية على إيقاع موسيقى من كل أنحاء العالم،تجمع إيقاعات الشرق والغرب وإفريقيا، وألحان الصوفيين.

موسيقى نردستان موسيقى جديدة تستمع إليها فيسري الخدر في كل جسدك وتنتشي وقد تشعر أحيانا بالدوار ولكن سرعانما تغمرك نغمات القانون بالهدوء، والفرقة لا تستمد فرادتها من الموسيقى المتنوعة والنصوص المختارة فحسب، بل أيضا من تلك الكيمياء التي ينشئها تفاعل عناصرها فيما بينها، من تلك الطاقة التي توشّح أصواتهم وتشع في عيونهم وتنساب من اناملهم.

وبـ”هذا هو الحال” و”طفح الكيل” و”أنعى لكم”، لا تلبث طويلا في حالة النشوى بل تتعدّاها إلى مرحلة تأمل ما يحصل حولك في هذا العالم، تمضي من الخصوصية إلى الكونية، تشعر بمعاناة الآخر، تضادد ذلك ونثور وترفع يدك احتجاجا وتهتف ضد القمع والظلم وتتوق إلى الحرية، وتحلم بوطن دينه الإنسانية لا حدود فيه ولا قيود، وطن يشبه “نردستان”.

غناء وليد ووداد، ليس مجرّد نطق لكلمات مصحوبة بإيقاع موسيقي بل هو غناء روحي قد تبلغ معه مرحلة ” النيرفانا”، فترى النور ينبعث من كل مكان في دولة “نردستان”، هو جذب روحي يمتزج فيه الأنين بالضحكات، هو صوت وقع الثلج على قمم الجبال وقطرات المطر اذ تعانق البحار والرياح إذ تعانق رمال الصحراء.

ونردستان تجربة موسيقية متفرّدة، عالم قائم الذات أنشأه شبّان تاقوا إلى الحرّية وأعلنوا دولتهم الطوباوية التي لا يعلو فيها إلا صوت الحق، صوت الثورة.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.