عرض “بينوكيو” على مسرح قرطاج: تراجيديا الحياة في كوميديا راقصة

يسرى الشيخاوي-

ليلة الأحد في المسرح الأثري بقرطاج كانت ليلة الطفولة مجازا وحقيقة، إذ تطالعك وجوه الأطفال على اختلاف أعمارهم في المدخل والممرات، ترتسم على وجوههم ابتسامات لا تفقه سرها إلا أعينهم.

وبين الوافدين إلى عرض ” بينوكيو” المخصّص للأطفال، “أطفال” تقدّم بهم قطار الحياة إلى محطّات أخرى من العمر لكنّهم مازالوا يحتفظون بتذاكرهم إلى عالم الطفولة، هم صبية لا يكبرون مهما تتالت السنين.

التراجيديا، والكوميديا، والإيقاع، والشعر، والموسيقى، واللوحات الراقصة، اجتمعت كلّها في عرض “بينوكيو”، العرض الذي أعلنت عن انطلاقه ثلاث فتيات هن قميرة وشمس وجيسينيا، العرض إلى الأطفال ومنهم كان تقديمه بثلاث لغات، لتنطلق إثره رحلة جمهور الأطفال إلى عوالم الخيال والعبر.

“بينوكيو” كوميديا موسيقية من إخراج وسينوغرافيا “جان ديشو” وموسيقى “برنار بولي”، شارك فيها 12 عنصرا عرّجوا بالجمهور إلى عوالم مبهرة عبر التمثيل والرقص والغناء والأزياء.

العرض في ظاهرة كوميدي ، لكنّه في باطنه يصوّر تراجيديا الحياة، الحياة التي قدّ يحرم فيها الفرد من زينتها، الحياة التي قد يلفظك من يتقاسمهما معك لأنّك مختلف وقد تضطر فيها للكذب وأشياء أخرى كثيرة.

وهو لم يغفل ثنائية أزلية هي الخير والشر فالصراع بينهما وتختلف تمظهراته من عصر إلى آخر، ثنائية اغرت الاطفال في المدارج صرخوا بكل عفوية ” non Pinocchio” كل ما واجه محتالا يريد ان جرّه غلى درب السوء، وصفقوا بأياديهم الصغيرة جدّا وصدقهم العظيم كلّما تجاوز عقبة.

القصة الكرتونية التي خطّها الإيطالي “كارلو كولودي” سنة 1880، دغدغت مشاعر الأطفال في المسرح الأثري بقرطاج فضحكوا لضحكات الممثلين على المسرح وضفقوا لهم أنّى غنوا، وأسفوا لحماقات “بينوكيو” وانتشوا لنصره.

مزيج مبهر من الاغاني والكوميديا والضحك والعواطف المتناقضة، وأثر عميق تولّده قصّة “بينوكيو” وصعوبة صقل شخصيته وقبوله اختلافه عن الآخر واكتساب القدرة على مواجهته.

والقصة التي تواصل عرضها على ركح مسرح قرطاج زهاء الساعة والنصف دون انقطاع، تروي حكاية رجل طيب لم يرزق البنون،لكنّه لم يفقد الامل وخلق من الخشب طفلا سمّاه “بينوكيو”، تأمّله منكسرا واستسلم للنوم على امل ان تدب الحياة في ابنه.

جنّية طيّبة، ألقت تعويذتها على “بينوكيو” فحرّك أوصاله ونطق بالحديث لسانه وسعد به النجّار “جيبيتو” الذي قرّر أنّ يسجّله في المدرسة، ومنذ ذلك الحين انطلقت رحلة “بينوكيو”، مع الوجه السيء للمجتمع، الذي دفعه إلى ارتكاب سلسلة من الحماقات.

وهو يصارع من أجل حقّه في الحياة التي أرادها له النجّار الطيب، تعترضه الجنية التي وهبته النطق والحركة وتعده بأن تحوّله إلى طفل حقيقي إذ صار على صراط الصدق، لكنّه كان في كل مرّة يتورّط في الكذب فيطول أنفه أكثر، وإن كان أنف بينوكيو كان مقياسا لكذبه فإنّ أفاكين كثر في مجتمعاتنا لا نتبينهم.

قصة ” بينوكيو” من شأنها ان تبهر الاطفال وان توقظ داخل كل منا طفلا الكامن في أعماقنا، فهي تروي تراجيديا الحياة بما تحمله من ألم الحرمان ونبذ المختلف والاحتماء بالكذب.

وهي في نفس الوقت تحمل عبرا تفضي إلى أنّ خيط الكذب قصير وأنّ الصدق طريق إلى الطمأنينة، وأنّ الأحلام يمكن ان تتحوّل إلى حقيقة إذا ما توفرت العزيمة والإرادة في الفرد، فـ” بينوكيو” الدمية الخشبية لم يصر صبيا حقيقا إلا حينما خطا خطوات نحو التغيير، فبطاعته لوالده حقق حلمهما المشترك.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.