قسم الأخبار-
«وضعوا المسدس في رأسي، وأغلقوا فمي، وسحبوني من أمام مدرستي إلى داخل سيارة كبيرة مظلمة، وفروا بي»… بهذه الكلمات أدلى الفتى إياد، أمس، بأقواله لأفراد «قوة الردع الخاصة» التي حررته من خاطفيه في العاصمة طرابلس، منتصف الأسبوع الماضي، بعد مساومة أسرته على طلب فدية ربع مليون دينار ليبي، الأمر الذي أرجعه عسكريون ومسؤولون تحدثوا إلى «الشرق الأوسط» إلى «غياب الأداة الأمنية الفاعلة في البلاد».
قضية الفتى إياد، الذي خُطف، أثناء خروجه من مدرسته عقب انتهائه من أداء امتحانات الشهادة الإعدادية، في رمضان الماضي، واحدة من بين حالات عدة تقع من وقت لآخر في أنحاء البلاد، يمارسها قطّاع الطرق، وما يطلق عليهم «عصابات الحرابة»، فضلاً عن تشكيلات مسلحة بخلفيات دينية وجهوية مختلفة.
وضمت قائمة المخطوفين، خلال الأشهر الماضية، عسكريين، وأمنيين، وصحافيين، ومواطنين من آحاد الناس، بينهم رجال وأطفال، وامتدت أيادي الخاطفين أيضاً إلى الفنيين الأجانب العاملين في شركات الكهرباء والنفط بمدن الجنوب، ولم يفرقوا بين الليبيين، وغيرهم من جنسيات عربية وأجنبية، مستغلين الانفلات الأمني في البلاد منذ إسقاط النظام السابق، وما تبعه من انقسام سياسي حاد بين سلطات شرق البلاد، وغربها.
وعزا رئيس المجلس العسكري «المنحل» في صبراتة، العقيد الطاهر الغرابلي، انتشار عمليات الخطف في ليبيا من أجل الابتزاز والحصول على المال، إلى «غياب الجهات التنفيذية للقانون، ما جعل هذه الجرائم تتزايد بشكل واسع».
وأضاف الغرابلي في حديث إلى «الشرق الأوسط»، أن «عمليات الخطف لا تتوقف على قُطّاع الطرق، و(عصابات الحرابة)»، بل أضاف إليهم «(جماعات إرهابية منظمة) مثل (داعش)، تستهدف الحصول على المال، وبث الفرقة بين الليبيين، ونشر الخوف والذعر في قلوبهم»، لافتاً إلى أن «هذه العناصر إن لم تحصل على الفدية التي تطالب بها فإنها لا تتردد في قتل المخطوفين».
وتحدث الغرابلي عن جماعات مسلحة، قال إنها كانت موالية لنظام معمر القذافي السابق، وخصوصاً في جنوب البلاد، «تمارس خطف المواطنين مقابل دفع الفدية»، متابعاً: «قد تختلف الآيديولوجيات الفكرية، لكن الجرائم واحدة، والهدف مشترك وهو الترويع والحصول على المال».
وحلّ رئيس المجلس الرئاسي فائز السرّاج – بصفته القائد الأعلى للجيش الليبي – المجلس العسكري بصبراتة، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وأمر أن تؤول كل الوثائق التي بحوزته إلى غرفة عمليات محاربة تنظيم داعش في صبراتة.
وتوعدت «قوة الردع الخاصة» التي تسيطر على العاصمة، بتتبع «المجرمين الذين يمارسون الخطف والحرابة»، مشيرة إلى أنها تتبعت «المجرمين» الذين خطفوا الفتى إياد، بعد جمع المعلومات عنهم، وقبضت عليهم وأحالتهم إلى النيابة.
وفي الجنوب، خطف مسلحون المواطن محمد بشير الشرقاوي، وابن شقيقته، من واحة سمنو التي تبعد عن مدينة سبها 70 كيلومتراً، أثناء عودتهما الأسبوع الماضي، من منطقة المزارع، وطالبت أسرتهما بدفع 250 ألف دينار. وقدّر موقع «بوابة أفريقيا» عدد المخطوفين خلال شهرين 14 شخصاً، ولفت إلى أن قيمة الفدية المطلوبة لإطلاق سراحهم تجاوزت مليون دينار.
ونقل عن مصادر أن «العصابة المتورطة في الخطف من المعارضة التشادية، وحصلت في أقل من شهرين على 950 ألف دينار فدية»، مشيرة إلى أنها خطفت 8 مواطنين بينهم طفل، وحصلت على 450 ألف دينار على الرغم من أنها قتلت أحدهم غدراً، كما خطفت 4 مواطنين في عملية ثانية، وقتلت أحدهم وحصلت على 500 ألف دينار. وأضافت المصادر أن عصابات الخطف تتخذ من إحدى القرى بمنطقة أم الأرانب مقراً لها، وتمارس عملياتها على الطريق العامة (سبها – الجفرة)، وبعض المناطق الأخرى، ومن ثم ابتزاز عائلات المخطوفين. بجانب ذلك، اندلعت اشتباكات مسلحة مساء أول من أمس، بين عصابات وافدة تمتهن الخطف وطلب الفدية والعناصر الأمنية في القطرون بجنوب البلاد.
وتترصد عصابات الخطف، العمالة الوافدة إلى ليبيا، وخصوصاً من الجنسيات الأفريقية، وخطفهم ومساومة أسرهم للحصول على مبالغ مالية كبيرة، ووقع عدد من الشباب المصريين غير مرة، في قبضة تلك العصابات التي أرغمتهم على الاتصال بذويهم في القاهرة، لإرسال 50 ألف دينار عن كل فرد، مهددة بقتلهم في حال عدم الاستجابة لمطالبهم.
وفي وقت اكتفى فيه مسؤول أمني بالعاصمة طرابلس، في حديثه لـ«الشرق الأوسط» بالقول إن طرابلس «مؤمّنة بشكل تام، وما يقع من حوادث يتم القبض على مرتكبيها، ومحاسبتهم»، رأى الطاهر الغرابلي في حديثه إلى «الشرق الأوسط» أن التصدي لتلك الجرائم لا يتأتى إلا من خلال «وجود دولة مؤسسات، مبنية على أساس علمي، بعيداً عن تعيين رؤساء الأجهزة الأمنية في حكومة (الوفاق الوطني) على أساس جهوي… فمن غير ذلك ستستمر حالة الانفلات في البلاد، وتتزايد عمليات الخطف للحصول على المال الحرام الذي يدفعه أولياء المخطوفين».
(الشرق الأوسط)