وصيّة بطل اغتالته أيادي من لا دين لهم ولا وطن

 أمل الصامت –

"عاجل.. استشهاد عناصر من الحرس الوطني في عملية ارهابية بجندوبة". "معطيات جديدة حول العملية الارهابية بجندوبة". "هويات شهداء العملية الارهابية بجندوبة"… هاهي الاخبار تنتشر، وهاهم أبناء حيي يعثرون على اسمي من بين أسماء الشهداء وينقلون الخبر إلى أمي وإخوتي وأحبتي، وفي الأثناء لا يزال دمي ساخنا يتسرب من جسدي وينسكب على الاسفلت فيزيد من حرارة سبقها إليه وهج شمس يوم أحد.

لا أعلم كم الساعة ولكنها لا تزيد عن فترة ظهر ارتفعت فيه درجات الحرارة أكثر بعد دوي عبوة نسفت السيارة التي كانت تقلنا، الدوي يصم الآذان، فلم أعد أسمع سوى صرخات أمي وأظافرها مغروسة في جلدها تندب حظا ألقى بفلذة كبدها في طريق من ليس لهم دين ولا وطن.

ربما كانت أصواتهم عالية أو لعلهم كانوا يتمتمون بكلمات أشبه بطلاسم المشعوذين، حاولت استراق النظر، في ما تبقى فيّ من نفس، فرأيتهم ينقضون على سلاح زميلي الذي كانوا يركلونه بأرجلهم الملطخة بدمائنا.

كنت أعلم أني ميّت لا محالة ولكن كم حزّ في نفسي أن تمتزج دماؤنا الطاهرة بالقذارة التي تراكمت على أجسادهم.

أغمضت عيني واستسلمت لمصيري المحتوم.. فارقتني كل الصور إلا صورة أمي.. وفارقتني كل الاصوات إلا صوت أمي.. كنت لها الامل وكانت لي السند.. كانت تعلم أنني معرّض لحادث يشبه هذا ولكنها لم تتصور أن يباغتني في يوم قريب كهذا ما دامت تدعو لي في كل صلاة لم يعرف خشوعها يوما  من قتلوني، فالربّ الذي تصلي له أمي حتما ليس ربّهم.

كم أردت أن اقول لها لا تحزني أمي فدعواتك مستجابة.. أردت لي علوّ المقام وها هو اسمي يخطه التاريخ بين أسماء الشهداء الأبرار بحبر من ذهب، أردت لي الانتصار وها أنا انتصر في وجه أعداء الوطن زادي بندقية قديمة وقارورة ماء ساخنة وشطيرة يابسة.. يحسبون أنهم هزموني وأنا الذي اخرجتهم من جحورهم حتى يتم القضاء عليهم من بعدي شرّ قضاء.

لا تبكي أمي فبذكراي سترفعين رأسك ما حييت، ولكن تاريخهم الأسود سوف يجعل ليالي أهاليهم مظلمة أبد الدهر فما كانوا يوما ابطالا ولكني عرفت انني سأكون يوما البطل.. أسفي الوحيد أنهم بالغدر أسالوا دمي وكنت اتمنى ان تأتيني الرصاصة في الصدر لا في الظهر حتى أراها فأبتسم وأستمتع أكثر بالنصر.

قد تعلو الأصوات بعد رحيلي وزملائي، وتتهاطل التحاليل والتأويلات، وتفتح تحقيقات، وتفوز الدولة بهبات من قبيل المدرعات والبدلات الواقية من الرصاص ومضادات الألغام، وقد يأتي المشرعون بقوانين ونصوص جديدة لفائدة القوات الحاملة للسلاح، وقد يخطون استراتيجية جدية لمكافحة آفة الارهاب، ولكن ستبقيان، أمي وأبي، أم الشهيد وأباه، وسيُنادى إخوتي بإخوة الشهيد، حتى حبيبتي التي لم تعلم أنني أحببتها أكثر مما أحبتني هي، سوف تفخر أيضا بأنها كانت حبيبة الشهيد.

فقولي لهم يا أمي أن لا تحاليلهم تعنيني ولا قوانينهم ستغير حقيقة أنني الشهيد.. وأنا على يقين أن الشهداء من بعدي كُثر ما دام على هذه الأرض من يدعم أولئك الذين لا دين لهم ولا وطن. 

 *ملاحظة: كل تفاصيل الحكاية المروية هي من محض الخيال.    

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.