مافيا الغش الالكتروني في الباكالوريا: بيع علني لمعدات”استخباراتية”.. تسريب وشبكات مترابطة لإنجاح”التكييت” (تحقيق)

تحقيق: بسام حمدي

أضحى اعتماد آلية "الغش الالكتروني" في الامتحان الوطني لقسم الباكالوريا الحل الأمثل والأنسب لدى عدد هام من التلاميذ  لتحقيق النجاح  وتجاوز شبح الفشل في اجتياز هذا الامتحان وباتت هذه الطريقة معتمدة لدى عدد كبير من التلاميذ إذ تم خلال الموسم الدراسي 2016-2017 تسجيل حوالي 700 حالة محاولة غش الكتروني، حسب ما اكدته احصائيات رسمية لوزارة التربية.

عملية الغش الالكتروني أصبحت منتشرة في كامل ولايات الجمهورية وباتت مواكبة لكل التطورات الالكترونية ما سهل على التلاميذ الراغبين في الغش استعمالها دون أي اشكال لاسيما أن هذه العملية تطبق عبر معدات الكترونية متطورة وعن طريق الاستعانة بشبكات واسعة متداخلة الأطراف وتُنفذ عبر مراحل منتظمة شبيهة بعمليات "الاستخبارات".

رصد حوالي 700 حالة غش الكتروني

وتشير الاحصائيات الرسمية لوزارة التربية الى التفطن خلال الموسم الدراسي لسنة 2016- 2017 الى حوالي 700 محاولة غش الكتروني في الامتحان الوطني لقسم الباكالوريا وسيُكشف عدد حالات محاولات الغش المسجلة خلال السنة الدراسية الحالية فور الانتهاء من اجتياز هذا الامتحان، وفق تأكيد المدير العام للامتحانات الوطنية بالوزارة عمر الولباني.

ويقول الولباني في تصريح لحقائق أون لاين إن هناك لجان تحقيق وبت في محاولات الغش بمراكز التجميع والتوزيع للامتحانات تشرف على عمليات التحقيق في محاولات الغش من خلال الاستماع الى التلاميذ والتحري في الاطراف المتداخلة والمشاركة في عملية الغش الالكتروني حتى يتم اصدار القرار الاداري المناسب في حق من يحاول القيام بعملية الغش.

ويؤكد الولباني أن كل محاولات الغش الالكتروني للموسم الدراسي 2017-2018 تم التفطن اليها من طرف الاطار التربوي في اطار تطبيق القرارات الصادرة عن وزارة التربية رافضا الافصاح عن عددها.

كما لاحظ ذات المسؤول أن الأجهزة الالكترونية المخصصة للتشويش على المكالمات الهاتفية التي يتم تركيزها في مراكز الامتحان من شأنها أن تخفض في عدة محاولات الغش، موضحا أن الاطار التربوي المشرف على عملية المراقبة هو الخط الأول القادر على الكشف عن عمليات محاولات الغش الالكتروني.

وصدر في يوم 5 فيفري 2018 بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية نص قانوني ينص على تحجير اصطحاب المترشحين لأي جهاز إلكتروني إلى مركز الامتحان ما عدا الآلة الحاسبة التي يجب أن تكون مؤشرة من قبل المعهد العمومي بالنسبة إلى تلاميذ المعاهد العمومية، ومركز الاختبارات الكتابية بالنسبة إلى تلاميذ المعاهد الخاصة والمترشحين بصفة فردية”. ويعتبر هذا النص أن “كل مخالفة لمقتضيات الفقرة الأولى من هذا الفصل تعتبر محاولة غش”.

بيع علني لآلات الكترونية متطورة في عملية الغش

  وبقدر ما أصبحت عملية الغش الالكتروني في امتحان الباكالوريا معتمدة لدى عدد هام من التلاميذ، بقدر ما تطورت سبل وطرق الغش الالكتروني واختلفت أنواعها انطلاقا من "الحمصة" (سماعات صغيرة الحجم توضع داخل الأذن)  ووصولا الى نظارات HD تُباع على قارعة الطريق للتلاميذ المترشحين لاجتياز هذا الامتحان الوطني.

"الغش الالكتروني" حل أصبح في متناول جميع التلاميذ ووبامكان كل تلميذ  شراء المعدات الالكترونية المستعملة في عملية "التكييت" شرط توفير مبالغ مالية تتراوح ما بين 150 و400 دينار.

وبمجرد كتابة "kit de bac" في خانة البحث بموقع التواصل الاجتماعي "الفايسبوك"، تنكشف الشبكة التي تشرف على عملية بيع هذه المعدات وأسعارها ورقم الشخص المشرف على عملية البيع، وعلى هذه الصفحة الافتراضية المخصصة لبيع المعدات الالكترونية المعدة للغش الالكتروني، يفسر البائع طرق استخدام هذه المعدات في عملية  الغش في امتحان الباكالوريا بالاستعانة بـ"التكييت" وينشر صورة نموذجية لطريقة تركيب هذه المعدات كما يضع رقم هاتفه الجوال.

وعملية "التكييت" هي انجاز الامتحان بالاستعانة بشخص يتواجد خارج مركز الاختبار ويقوم بالاملاء على التلميذ المترشح للامتحان باستعمال الهاتف الجوال ومعدات "التكييت" التي تباع في مواقع التواصل الاجتماعي.

وفي رسم بياني يوضح بائع المعدات المخصصة للغش الالكتروني طريقة "استخباراتية" لتركيب معدات "التكييت" في عملية الغش في الامتحان انطلاقا من استعمال هاتف جوال وسلك سماعات وبطارية شحن وسلك يسميه التلاميذ "براسلي" وسماعة صغيرة الحجم توضع داخل الأذن ويصعب التفطن الى وجودها.

ويظهر الرسم البياني المرفق في الصفحة المخصصة لبيع مواد "التكييت" طريقة تركيب هذه الأجهزة وترابطها مع بعضها عبر تسلسل في التركيب ودقة في الاستعمال اذ يرتدي التلميذ "البراسلي" المثبتة في رقبته وبها هاتف جوال وبطارية شحن وسلك سماعات.

"بيع بالحاضر"

حقائق أون لاين اتصلت ببائع المعدات الالكترونية المخصصة للغش الالكتروني في امتحان الباكالوريا، وبمجرد اتصالنا به عبر الهاتف الجوال وافق على بيعنا المعدات المخصصة لعملية "التكييت" واتفق معنا على لقائه قرب مسجد "الفتح" بالعاصمة تونس عقب موعد الافطار لكنه تخلف عن الموعد فيما بعد ورفض الرد على مكالماتنا الهاتفية المتكررة.

وقال هذا البائع، وهو من متساكني العاصمة تونس، إنه مستعد ليييع لنا كل المعدات شرط توفير المبلغ المالي دون نقاش أو تفاوض حوله وقال انه بامكانه أن يفسر لنا طريقة تركيب القطع المخصصة لعملية "التكييت" قبل اتمام عملية البيع. وفي المكالمة الهاتفية التي جمعتنا به، حاول المشرف على بيع المعدات الالكترونية عبر مواقع التواصل، إظهار ميزات المواد التي يبيعها معدّدا الحالات التي نجح في توفير ما أسماها سبل النجاح في امتحان الباكالوريا ومؤكدا حيازته لكل ما يحتاجه التلميذ للقيام بعملية الغش الالكتروني على غرار "الحمصة" و نظارات بميزة HD  مشددا على فعالية هذه المعدات وكثرة استعمالها لدى عدد من التلاميذ.  

وقال إن "امرأة وابنتيها قدمن اليه من ولاية بنزرت الى العاصمة تونس لشراء "الحمصة" لاجتياز امتحان الباكالوريا. وبين أنه يقوم بتجربة هذه المعدات وتفسير طريقة استعمالها قبل اتمام عملية البيع مبرزا أنه كذلك يقوم ببيع وشراء نظارات ذات صفات HD يمكن للتلميذ تسجيل الدروس بها وارتداؤها أثناء الامتحان ليظهر له نص الدرس في النظارة لحظة اجتياز الامتحان.

العائلة تساهم في الاعداد لعملية "التكييت"

تقول التلميذة بثينة وهي تدرس في قسم الباكالوريا بأحد معاهد بن عروس، ورفضت الافصاح عن كامل هويتها، انها نجحت خلال الموسم الدارسي الحالي في استعمال عملية الغش الالكتروني في 3 اختبارات مبرزة أن هذه العملية بها عدة أطراف متداخلة وتمت بعلم عائلتها. وبينت أنها تحصلت على مبلغ مالي قدره 200 دينار من والدتها ونسقت عبر الهاتف الجوال مع الشخص الذي يبيع كل المعدات المخصصة للغش الالكتروني ثم التقته في مقهى شعبي وسط العاصمة تونس.

وتضيف بثينة "أن الشخص الذي باع لها المعدات الالكترونية قد ألح على تفسير طريقة استعمالها خلال عملية "التكييت" رغم أنها أعلمته بكونها عليمة بهذه الطريقة مشيرة الى "أن بائع هذه المعدات مصر على انجاح كل عمليات الغش الالكتروني من خلال الحاحه على تفسير طرق الغش".

وقالت إن والدتها وأختها قامتا في أول يوم بتركيب أجهزة "التكييت" على الساعة السادسة صباحا في جسمها ووضعها في طيات ثيابها قبل توجهها الى المعهد لاجراء الامتحان وكان والدها ينتظرها في الخارج ويحاول "تشجيعها" على انجاح العملية ، حسب تأكيدها.

 تسريب وشبكة مترابطة في عملية "الغش"

تلميذ، آخر نجح في القيام بعملية "التكييت"، وهو يدرس باحد المعاهد بأريانة، اسمه هيثم يؤكد بدوره أنه نجح في القيام بالغش في امتحان الباكالوريا باستعمال المعدات الالكترونية التي اشتراها معربا عن فخره بالقيام بعملية وصفها بـ"الاستخباراتية". ويضيف التلميذ هيثم، وقد رفض هو الآخر الافصاح عن كامل هويته، إن والده اصطحبه اثناء شراء معدات "التكييت" في مقهى شعبي بالعاصمة تونس ونجحا في شراء هذه المعدات بعد أن علما عن طريق موقع التواصل الاجتماعي رقم الهاتف الجوال للشخص الذي يبيع هذه المعدات.

كما يبين ذات المتحدث أن والده ووالدته قاما بتلصيق الأجهزة الالكترونية في جسمه قبل ارتدائه ثيابه وتوجهه الى المعهد لانجاز الامتحان موضحا أن استاذ فلسفة وصديقا آخر له بقيا في منزل عائلته ليقوما بالاملاء عليه أثناء اجتيازه الامتحان وذلك بعد حصولهم على نسخة مسربة من الامتحان الذي ينجزه.

وفور حصولهم على نسخة مسربة من الامتحان عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ينطلق الأستاذ والصديق في التواصل مع التلميذ هيثم عبر مكالمة هاتفية لحظة اجرائه للاختبار ويطلبان منه القيام بحركات صوتية ليعرفا ما إذا كان يستمع اليهما، وفق قول محدثنا.

كما يقول هثيم، انه في حالة عجزه عن الاستماع او عدم فهم ما يُملى عليه، يتوجه بسؤال الى الاستاذ المراقب لعملية الامتحان حتى يتمكن  بصفة غير مباشرة من الاستماع الى الأستاذ الذي يملي عليه طريقة الاجابة عن الاختبار.

كما بين محدثنا أنه يستمع الى ما يمليه عليه الأستاذ الذي يتعاون معه دون أن ينطق بأي كلمة حتى لا يتم التفطن الى كونه يقوم بعملية "التكيي" مبرزا أنه يقوم بخلاص كل المتعاونين معه في عملية الغش. وبخصوص الجهة التي تقوم بتسريب الامتحان، يقول هيثم ان حارس المعهد الذي يدرس به هو من يتكفل بتسريب الامتحان مقابل مبلغ مالي يتراوح بين مائة ومائتي دينار مبرزا أنه يسارع بارساله الى مجموعة من التلاميذ عبر رسائل الفايسبوك لتنطلق فيما بعد عمليات الاملاء عبر المكالمات الهاتفية وبالاستعانة بالحمصة، رافضا الكشف عن معطيات اضافية.

وينتهي هيثم بالقول إنه يقوم بسحب "الحمصة " من أذنه عند العودة الى المنزل بواسطة مادة "الذكير"..  

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.