رحلة البحث عن الثراء في تونس: فتّش تحت التراب قد تُخبئ الأرض لك الكثير

يسري اللواتي-

لم يكن محمد علي يتوقع يومًا أن قطعة أرض صغيرة مجاورة لمنزلهم القديم، والتي ورثها جده عن أسلافه تحتفظ  لعائلته بكنز ثمين سيقلب حياة عائلتهم رأسا على عقب منذ أكثر من 35 سنة.

يقول محمد علي 45 سنة أصيل أحد المناطق الريفية من ولاية باجة أن جدّه “الحاج علي” كان قبل عثوره على مطمور، مجرد فلاح صغير لم يرث عن أجداده سوى قطعة أرض صغيرة يزرعها كل سنة ليُؤمن بها لقمة عيش عائلته وأولاده الخمسة، إلا أن هذه “التركة” الصغيرة كانت تُخبئ له وللعائلة ارثا كبيرا لم يكن في الحسبان مطلقا.

خريف المفاجأة الكبرى ..

كان جدي بصدد حراثة أرضه في الخريف ككل سنة، لكن سنة 1983 أفرجت الأرض عن سر لم نكن جميعنا نتوقعه حينما علق “محراثنا العربي” بأحد الصخور ولم يستطع جدي اخراجه بمفرده”، يتحدث محمد علي وقد ارتسمت على ملامحه علامات الابتهاج.

حينها استعان جدي بأحد جيرانه لخلاص المحراث العالق وبدأ بالحفر ليرى أثار جرة قديمة مقلوبة بانت فتحتها، لم يصدق جدي حسب رواية والدي التي نتداولها في العائلة، أنه قد يجد مطمورا في أرضنا الصغيرة، فطلب من الجار الذي طلب منه العون العودة لمنزله بدعوى أنه استطاع “فك رباط المحراث”.

“صدقا لقد أحسن جدي التصرف إزاء هذه المفاجئة بازاحة الجار حتى لا ينكشف سرّه الذي حافظ عليه بمفرده إلى حدود الليل أين ذهب للحفرة وقام باخراج الجرة بمفرده”، يروي محمد علي تفاصيل الواقعة وقد بدت على وجهه تقاسيم الفخر والاعتزاز بحيلة جده “الحاج علي”.

يتابع محمد علي رواية قصة جده مع كنز العائلة “قصد جدي منزله ليلا ومازال في تلك اللحظة لا يعلم ماهية الشيء الذي تخفيه الجرة، ثم دخل المنزل ونزع الغطاء الخشبي للجرة فوجد عملات ذهبية لم يحلم يوما أنها ستكون بحوزته في يوم من الأيام”.

“لا أخفي عليك كيف تعامل جدي مع هذا المعطى الذي سيغير حياته وحياتنا، ورغم مقدار سعاده إنه اختار الاحتفاظ بها مع جدتي التي كان يثق بها كثيرا”.

يؤكد محمد علي أن جده الحاج علي كان متخوفا جدا من انكشاف سره لأبناء منطقته ومن ثم للسلطات الأمنية التي تعتبر ذلك مخالفا للقانون، فحرص على صرف العملات الذهبية بمقابل مالي بمساعدة أحد معارفه”.

جدي كان محترفا جدا ..

“الحمد لله أن جدي كان محترفا جدا في التعامل مع الكنز، خاصة وأنه استطاع صرف العملات الذهبية دون أية مشاكل تذكر، فتعامل مع أحد الصاغة الموجودين بالعاصمة الذي اشترى العملات بمقابل ناهز الـ 50 ألف دينارا في ذلك الوقت”.

“منذ ذلك الوقت لم تعد عائلتنا تلك العائلة الفقيرة التي لا تملك سوى قطعة أرض صغيرة، فقد ابتاع جدي حوالي الـ 100 هكتارا من الأراضي الفلاحية وانطلقت العائلة منذ ذلك الوقت في رحلة غير متوقعة في ابتياع الأراضي .

كنز داخل قبر..

لم تكن عائلة الحاج علي هي وحدها المحظوظة في إيجاد كنز ذهبي غير حياتها من الفقر الى الثراء ، ففي ولاية بنزرت وجد اخرون ضالتهم المنشودة تحت التراب على غرار عائلة يوسف حسب الرواية التي حكاها ابنه سمير (اسم مستعار) لحقائق أون لاين .

يروي سمير 32 سنة ان والده كان في مطلع التسعينات مجرد “صانع” يعمل في مجال صناعة الأجر، الا ان طموحه نحو الثراء بشتى الوسائل كان يغويه خاصة وان العديد من أصدقاءه كونوا ثروات في وقت قصير وملفت للانتباه ما دعاه لاتباع خطواتهم ، فكانت اول الخطى الحفر في التراب وتكوين شبكة من المعارف خاصة من العّرافين المغاربة.

يقول سمير ان اول ضربة حظ لوالده كانت خلال سنة 1995 حينما وجهه احد العّرافين المغاربة الى احد الضيعات المهجورة الموجودة بجهة ماطر من ولاية بنزرت، أين يوجد قبر قديم عليه مختوم برسم على شكل عقرب يرجح ان يحوي بداخله على صندوق مليء باللويز، حسب تعبيره.

سبت مبارك..

يتحدث سمير عن تفاصيل ليلة يوم سبت أين توجه والده صحبة العراف المغربي الى مكان القبر واصطحبا معهما سائق مجرفة صغيرة لمساعدتهما على الحفر.

“بدا العراف المغربي وفق رواية والدي، فور وصوله للقبر بالتعزيم بهدف طرد الجن الذي يحرس الكنز، فانطلق بقراءة تعويذات غريبة في جو كان البخور فيه سيد المكان، ثم امر صاحب الجرافة بالانطلاق في الحفر وهناك كانت المفاجاة الكبرى” يتحدث سمير عن تفاصيل تلك الليلة المشهودة وقد انتابه الاستغراب من تحمل والده تلك الأجواء المريبة التي تدور في فلك قبر قديم.

يذكر سمير ان صاحب الجرافة انطلق بهدم القبر ثم أمره العراف المغربي بمزيد الحفر لعمق يناهز الثلاثة أمتار ، وأثناء ابعاده التراب الذي اخرجه من الحفرة العميقة نسبيا بان لأبيه صندوق خشبي قديم كان عالقا وسط كوم من التراب الطيني فسارع الى إعلام العراف الذي كان يتابع اشغال صاحب الجرافة من غرفة القيادة.

“يروي لنا والدنا تفاصيل تلك اللحظة وهو يؤكد انه لم يصدق وحتى لم يع ايا من حيثياتها، خاصة بعد فتح الصندوق الذي احتوى بداخله قطعا نقدية ذهبية قديمة”.

لم تنته رحلة والد سمير فور إيجاده الكنز، بل انطلقت بعد ذلك رحلة تعد اكثر اهمية وهي صرف القطع النقدية الذهبية بعيدا عن اعين السلطات الأمنية التي كانت تترصد في ذلك اي محاولات للبحث عن الكنوز، وقد وقع في العديد ممن لم يحالفهم الحظ في شراك الرقابة الأمنية بتهم تتعلق بالنبش عن الاثار، يروي سمير بقية رحلة ابيه “نحو الثراء”، وقد انتابه التوجس والخوف من انكشاف هذا السر خاصة وان المرابطين بالمقهى ظلوا يحدِّقون بحرصه على صوته الخافت جدا.

رحلة الصرف..

يعتبر سمير أن والده قضى أسبوعا مريرا بعد إيجاده للصندوق الخشبي القديم، خاصة وانه يتوجس من انكشاف أمره لقاطني القرية التي يسكنها الذين لن يفوتوا فرصة ابلاغ الوحدات الأمنية ، فما كان عليه الا ان يستنجد بأحد الأصدقاء الثقاة لمساعدته في صرف الكنز لأحد الصاغة بالعاصمة، وكان له ذلك بعد ان ضمن له رجل اعمال التواصل مع احد الصاغة الدين دأبوا على التعامل مع “محظوظي الكنوز “.

“نجح ابي بعد لقاءات متكررة مع في صرف الكنز مقابل مبلغ ناهز في ذلك الوقت 70 الف دينار ، فأعطى للعراف نسبة 40 بالمائة من قيمة الكنز اضافة الى هدية لصاحب الجرافة، وانطلقت بعد ذلك عائلتنا في حياة جديدة بتوجه والدي نحو ميدان المقاولات”.

“الحمد لله وبعد هذه السنوات اصبح حال عائلتنا ميسورا جدا خاصة وأننا نمتلك عقارات عديدة في العاصمة وبنزرت اضافة الى أسطول من شاحنات النقل والجرافات متعددة الاحجام، ورغم ذلك مازلت دودة والدي تجاه البحث عن الكنوز حية” يتحدث سمير  وقد أبدى بعض الضحكات بسبب عدم توبة ابيه من هذه العادة.

صفحات على الفايسبوك للاجابة عن تساؤلات الباحثين عن الثراء..

لم تنحصر رحلة البحث عن الكنوز داخل الأوساط الريفية والاجتماعية بشكل عام، بل أصبح هذا الهوس منتشرا حتى داخل مواقع التواصل الاجتماعي التي انتشرت صلبها صفحات تعنى بتفسير الاشارات والتعابير الغامضة والدالة على أماكن دفن هذه الكنوز، لذلك لن يكون من العسير تفسير أحد الرسوم بمجرد الانخراط في هذه الصفحات.

 

“ان لم يُحالفك الحظ”.. فهذه العقوبات التي حددها المشرع التونسي.. 

وفي كل أسبوع تقريبا تعلن وزارة الداخلية في بلاغات، عن القبض على عصابات أو أفراد وجهت لهم تهم النبش عن الآثار أو الاتجار بها ما يفيد بأن هذه الظاهرة أصبحت منتشرة لدى فئات عديدة من التونسيين.

ولعل ما يجعل هذه “الرحلات” محفوفة بالمخاطر، هو صرامة القانون التونسي الذي يقضي بالسجن لمدة خمس سنوات وبخطية قدرها خمسون ألف دينار كل من يقوم بالتنقيب أو الحفر أو غير ذلك من أعمال البحث بهدف التفتيش عن الآثار المنقولة أو الثابتة سواء بملكه أو بملك غيره دون الحصول على ترخيص مسبق من الوزير المكلف بالتراث ،والمحاولة موجبة للعقاب . وفي صورة العود تضاعف العقوبة.

ومن العقوبات أيضا السجن مدة 3 سنوات وخطية ب 30 ألف دينار لكل من يكتشف بصفة عفوية آثارا ثابتة أو منقولة أو يكتشف ممتلكا أثريا بالبحر ولا يعلم بها فورا المصالح المختصة بالوزارة المكلفة بالتراث أو أقرب سلطة بالجهة . وتسلط نفس العقوبات على كل من يرفع من البحر عن طريق الصدفة ممتلكا أثريا دون الإعلام به أو دون تسليمه فورا إلى السلط الموجودة في أقرب ميناء.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.