مع انتهاء سنة 2013 لا بد من الرجوع قليلاً إلى الوراء للوقوف على أهم المحطات التي شهدتها تونس خلال هذا العام الذي كان مروره "ثقيلاً" على عكس التمنيات.
فبعد أحداث الرش في سليانة والإعتداء على مقر الإتحاد العام التونسي للشغل أواخر سنة 2012، استمر مسلسل العنف خلال سنة 2013 فكانت البداية يوم 12 جانفي 2013 بحرق مقام الولي الصالح سيدي بوسعيد الباجي بالضاحية الشمالية للعاصمة والذي كانت منظمة اليونسكو قد صنفته كتراث عالمي.
وفي أواخر شهر جانفي 2013 أثارت زيارة الداعية الكويتي نبيل العوضي بلبلة وسط المجتمع المدني بسبب فتواه الغريبة ومن بينها تلك المتعلقة بالكرتون "سبونج بوب"، بالإضافة إلى الفتيات الصغيرات اللواتي كن في استقباله وما تلى ذلك من تصويرهن وهن يهتفن بعبارة "موتوا بغيظكم" في رسالة موجهة إلى من كان يعارض زيارة الداعية الكويتي.
أما شهر فيفري فقد استحق صفة "دموي" بامتياز، ففي 6 فيفري 2013 اغتيل المنسق العام لحزب الديمقراطيين الأحرار الموحد والقيادي في الجبهة الشعبية شكري بلعيد بطلقات رصاص أمام منزله. وعلى خلفية هذه الحادثة انطلقت مسيرات احتجاجية في العديد من ولايات الجمهورية ووقعت أعمال عنف بالعاصمة أسفرت عن وفاة عون أمن.
وفي اليوم نفسه أطلق رئيس الحكومة في ذلك الوقت حمادي الجبالي مبادرة لتشكيل حكومة كفاءات مستقلة وأعاد طرحه هذا يومي 8 و9 من الشهر نفسه.
وفي 7 فيفري 2013 دعا الإتحاد العام التونسي للشغل إلى إضراب عام كردة فعل على حادثة الإغتيال ليكون يوم 8 فيفري يوم حداد عام تم خلاله تنظيم جنازة وطنية للشهيد شكري بلعيد تخللتها أعمال نهب وحرق لعدد من السيارات الرابضة بمحيط مقبرة الجلاز.
وبعد ما يقارب الأسبوعين عن طرح مبادرته، قام الجبالي بإعلان فشله في تكوين حكومة كفاءات وقدم استقالته إلى رئاسة الجمهورية يوم 19 فيفري 2013، ليقوم مجلس شورى حركة النهضة يوم 22 من الشهر نفسه باختيار وزير الداخلية علي العريض لرئاسة الحكومة وتكليفه رسمياً من قبل رئيس الجمهورية لتكليف حكومة جديدة تحصلت على ثقة المجلس الوطني التأسيسي يوم 13 مارس 2013.
كما تواصلت الأزمة السياسية في البلاد حيث انعقد بين 15 أفريل و15 ماي 2013 الحوار الوطني الذي دعت إليه رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة من أجل الوصول إلى تحقيق توافقات بخصوص أهم الملفات المطروحة أمام مسار المرحلة الإنتقالية، وقد غاب عنه اتحاد الشغل وعدة أحزاب.
وفي مقابل هذه الأزمة اتخذ مسار العنف منحى جديداً وبدأت مرحلة جديدة من الإرهاب بدأت بانفجار ثلاثة ألغام أرضية بجبل الشعانبي من ولاية القصرين يومي 29 و30 أفريل 2013 مما أسفر عن وقوع عدة إصابات بليغة في صفوف أعوان الحرس والجيش الوطنيين، ومن ثم انفجر لغم رابع بجبل الشعانبي يوم 6 ماي 2013 تسبب في إصابة جنديين برتبة رقيب بجروح، لتعلن وزارة الداخلية في اليوم التالي عن إيقاف 37 شخصاً متورطاً في أحداث الشعانبي بصفة مباشرة وغير مباشرة.
وفي 16 ماي 2013 انعقدت أشغال الجولة الثانية من الحوار الوطني بمبادرة من الإتحاد العام التونسي للشغل وبمشاركة الرئاسات الثلاث وحضور عدد من الشخصيات ومكونات المجتمع المدني والمنظمات الوطنية.
وعلى صعيد آخر، قررت وزارة الداخلية يوم 17 ماي 2013 منع تنظيم ملتقى أنصار الشريعة بمدينة القيروان والذي كان مقرراً ليوم 19 ماي مما أدى إلى اندلاع مواجهات بين قوات الأمن ومجموعات من أنصار الشريعة بحي التضامن من ولاية أريانة أسفرت عن مقتل شخص وإصابة آخرين وذلك يوم 19 ماي 2013.
وفي 28 ماي 2013 أصدرت الدائرة الجنائية بالمحكمة الإبتدائية بتونس حكماً على المتهمين في قضية أحداث السفارة الأمريكية التي وقعت يوم 14 سبتمبر 2012 يقضي بالسجن لمدة سنتين مع تأجيل التنفيذ، مما أثار حفيظة السفارة المعنية التي عبرت عن انزعاجها من الأحكام الصادرة معتبرة أنها لا تتطابق مع خطورة أعمال العنف وحجم الأضرار التي لحقت بالسفارة.
وعلى صعيد أمني توفي عسكريان وجرح اثنان آخران إثر تعرض سيارتهم لانفجار لغم على مسلك خارج محمية جبل الشعانبي في منطقة آهلة بالسكان يوم 6 جوان 2013، كما أصيب ثلاثة عسكريين بجروح إثر تعرض سيارة عسكرية لانفجار لغم بجبل الشعانبي في 14 من الشهر نفسه.
كذلك برز خلال هذا الشهر إعلان الفريق أول رئيس أركان الجيوش رشيد عمار قرار استقالته من المؤسسة العسكرية يوم 25 جوان 2013.
ومع حلول شهر جويلية ارتفعت وتيرة العنف بشكل لم تعرفه تونس سابقاً، ففي 25 جويلية 2013 الذي كان من المفترض أن يكون يوماً للإحتفال بعيد الجمهورية، تم اغتيال المنسق العام للتيار الشعبي وعضو المجلس التأسيسي محمد البراهمي بـ 11 طلقة نارية أمام منزله، وعلى خلفية عملية الإغتيال تم تعليق جلسات الحوار الوطني الذي انطلق في ماي 2013. وتم إعلان الإضراب العام في اليوم التالي وتنظيم جنازة وطنية للشهيد محمد البراهمي يوم 27 جويلية 2013 انتهت بمواجهات بين قوات الأمن ومحتجين كانوا يحاولون الإعتصام أمام مقر المجلس التأسيسي بباردو. وقد نجح المتظاهرون فيما بعد في تثبيت الخيام إلى جانب نواب المعارضة الذين انسحبوا من التأسيسي وشاركوا في الإعتصام الذي وضع هدفين له : إسقاط الحكومة وحل المجلس التأسيسي. كما تم الإعلان عن تأسيس جبهة الإنقاذ والتي تضم الجبهة الشعبية والإتحاد من أجل تونس وعددا من منظمات المجتمع المدني.
من جهة أخرى تواصل مسلسل الإرهاب في الشعانبي حيث استشهد 8 عسكريين في كمين وجرح 3 آخرون في انفجار لغم أرضي بمحمية الشعانبي يوم 29 جويلية 2013.
سياسياً قدم الإتحاد العام التونسي للشغل مبادرة للخروج من الأزمة التي تعيشها البلاد يوم 30 جويلية 2013 فيما أعلن رئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر يوم 6 أوت 2013 عن تعليق أشغال المجلس إلى حين انطلاق حوار وطني شامل يجمع كل الأطراف السياسية.
وفي 10 سبتمبر 2013 توصلت المنظمات الراعية للحوار والتي تضم اتحاد الشغل إلى الإتحاد التونسي للصناعة والتجارة والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والهيئة الوطنية للمحامين، إلى وضع خارطة طريق لتفعيل مبادرتها، وتم يوم 3 أكتوبر 2013 الإعلان عن انطلاق جلسة الحوار الوطني يوم 5 أكتوبر.
وفي 17 أكتوبر 2013 انتقل الإرهاب من الشعانبي إلى ولاية باجة حيث استشهد عونا حرس وطني وأصيب ثالث خلال مواجهة مع مجموعة إرهابية مسلحة بمنطقة قبلاط، ومن ثم إلى ولاية سيدي بوزيد من خلال مواجهة مسلحة بين فرقة من الحرس الوطني ومجموعة إرهابية مسلحة بمنطقة الونايسية من معتمدية سيدي علي بن عون أسفرت عن استشهاد ستة أعوان حرس وطني وإصابة اثنين آخرين بجروح خطيرة ومقتل إرهابيين يوم 23 أكتوبر.
وفي 30 أكتوبر 2013 وقعت عملية انتحارية بحزام ناسف بشاطئ نزل "رياض النخيل" بجهة بوجعفر من مدينة سوسة ولم تسفر عن وقوع ضحايا باستثناء وفاة منفذ العملية. وفي اليوم نفسه أحبطت القوات الأمنية المختصة عملية تفجير روضة آل بورقيبة بالمنستير من طرف عنصر إرهابي وأوقفت ستة عناصر إرهابية لهم علاقة مباشرة بالعمليتين الإرهابيتين بولايتي سوسة والمنستير.
ومن ناحية أخرى تم يوم 25 أكتوبر 2013 استئناف جلسات الحوار الوطني بحضور الأحزاب الموقعة على وثيقة الرباعي الراعي للحوار إثر تلقي الأمين العام لاتحاد الشغل رسالة من رئيس الحكومة علي العريض تعهد فيها بالإستقالة في غضون 3 أسابيع من انطلاق الحوار وتنفيذ بنود خارطة طريق الرباعي. وفي اليوم الموالي وقع النواب المنسحبون من المجلس التأسيسي على وثيقة العودة بعد حوالي ثلاثة أشهر من المقاطعة على خلفية اغتيال النائب محمد البراهمي.
وفي 6 نوفمبر 2013 علق النواب مرة اخرى مشاركتهم في أعمال المجلس التأسيسي بعد المصادقة على تعديلات لنظامه الداخلي اعتبروها انقلاباً على الشرعية التوافقية وطالبوا بإلغائها، وفي 27 نوفمبر صادق المجلس التأسيسي خلال جلسة عامة على إلغاء هذه التعديلات المدخلة على نظامه الداخلي.
أمنياً جدت يوم 12 نوفمبر 2013 مواجهات بين وحدات من الحرس الوطني ومجموعة إرهابية متحصنة بأحد المنازل في منطقة النقة من ولاية قبلي تم إثرها القبض على 8 عناصر من المجموعة بعد القضاء على أحد عناصرها وضبط 5 سيارات وقنبلة يدوية وشاحنة معدة للتفجير.
وتواصل استهداف القوات الأمنية والعسكرية فكان آخرها يوم 2 ديسمبر 2013 إذ انفجار لغم بمنطقة العمليات العسكرية المغلقة بجبل الشعانبي أدى إلى وفاة نقيب وجرح وكيل بالجيش الوطني.
وبالعودة إلى الحوار الوطني تم يوم 14 ديسمبر 2013 بعد مفاوضات ماراطونية اختيار وزير الصناعة في حكومة العريض مهدي جمعة لرئاسة الحكومة المقبلة وانسحب الحزب الجمهوري من الحوار الوطني على خلفية هذا الإختيار يوم 16 ديسمبر لاعتباره ان الحوار لم يفض إلى اختيار توافقي لرئيس الحكومة.
كما وقع يوم 23 ديسمبر 2013 الإتفاق خلال جلسة عامة للحوار الوطني على أن يبدأ العد التنازلي للمسار الحكومي يوم 25 ديسمبر الجاري الذي شهد تكوين لجنة تنسيق المواقف بين الحوار الوطني والمجلس التأسيسي حول المسائل الخلافية، والتي تضم نواباً من المجلس التأسيسي وممثلين عن الرباعي الراعي للحوار ويترأسها الأمين العام المساعد لاتحاد الشغل بوعلي المباركي.
وتوافقت هذه اللجنة يوم 26 ديسمبر 2013 مع رئيس المجلس التأسيسي حول روزنامة مناقشة الدستور وانتخاب أعضاء الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات.
بالنظر إلى هذه المحطات الحاسمة يمكن القول ان تونس لم تشهد في تاريخها سنة مماثلة لـ 2013 التي تميزت بعنفها ودمويتها وخلفت وراءها الكثير من الآلام والخيبات.
ومع كل التغييرات الإقليمية والدولية الحاصلة ومتابعة لتطورات الشأن الداخلي بخصوص التوافقات الحاصلة وإمكانية التوصل إلى إنهاء جميع المسارات الإنتقالية قبل 14 جانفي 2014، يدخل التونسيون السنة الجديدة على أمل أن تكون نهاية العام الحالي نهاية للمرحلة السوداء التي شهدتها سابقاً وأن تنتهي فعلاً المرحلة الإنتقالية ليتم الإنطلاق في بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة.