ما يُحكى عن “دولة الكبتاغون وشركاؤها” بعد سقوط النظام في سوريا

قبل أن تبلغ العاصمة، على طريق بيروت – دمشق، وتحديدًا في قمة الجبل بمنطقة يعفور في الريف، قصرٌ مسوّر، لم يكن يُسمح للسكّان المحليين بالاقتراب منه، وكان يُمنع الرعاة من رعي أغنامهم أعلى الجبل، خوفًا من كشف المنطقة أمامهم.

كانت الشاحنات تعبر إليه كلّ عدّة أسابيع، بحسب ما يحكي لنا حارسٌ أمام صالة مفروشات في أسفل الطريق، لا يؤكّد هوية لوحات الشاحنات، لبنانية أم سورية، لكنه يحسم أنّ الرائحة المنبعثة من المنطقة لم تكن تُحتمل، وأنّ “الحزب” كان نافذًا وحارسًا للقصر، بدون أن يحسم من الذي يعنيه بالحزب. ولفظ “الحزب” يدلّل به أبناء المنطقة على حزب الله اللبناني، الذي يملك نفوذًا في البقاع، كما في المناطق السورية المجاورة، خصوصًا تلك التي هُجّر أهلها خلال فترة الحرب السورية، مثل الزبداني.

القصر كان ملكًا لعائلة غير سورية، بحسب ما يُشير أحد مقاتلي المعارضة، بخفّة روحهم وملامحهم الشامية اليافعة؛ وهذا انطباعٌ عن هؤلاء المقاتلين سيرافقنا في كلّ محطة في جولتنا نحو المحافظات الشمالية والغربية للبلاد، متفاجئين بهم، ربّما بسبب الصورة التي رُوّجت عن معارضي النظام بأنّهم إسلاميون متطرّفون.

نعود إلى القصر. فقد استولت عليه فرقة ماهر الأسد وحوّلته إلى واحد من أكبر معامل الكبتاغون في البلد. المعمل، بكلّ محتوياته، من المواد الأوّلية مرورًا بماكينات التصنيع وصولًا إلى أدوات مخصّصة لصناعة الكبتاغون في سلع جُهزت وسائل للتهريب؛ كلّ هذا مركّز في مبنى ملاصق للقصر. أمّا القصر نفسه، فكان فارغًا، إلا من قطع أثاث معدودة لا تدلّ على سكن عائلي. الحارس من عناصر المعارضة يتردّد في السماح لنا بمعاينته، والسبب أنّه وزملاءه يجلسون ليلًا إلى جانب الموقدة، يشعلونها بخشب صناديق عتيقة طردًا لبرد شتاء جبلي، ويتناولون عشاءهم من معلّبات. الحارس ورفيقه في مقتبل العشرين، وتعابير وجهيهما تعكس خجلًا من فعلٍ يريانه غير مستحق، في ملك ليس ملكهما.

من مادة الكبتاغون المخدّرة موّل النظام السوري حربه ضدّ شعبه على مدى 14 عامًا. حتى اللحظة، لم يُعرف بعد عدد مصانع الكبتاغون في البلد، غير أنّها تتوزّع بين مراكز أساسية للتصنيع والتعليب والتجهيز والتصدير، كما هذا المصنع الذي زرناه في يعفور؛ وبين أخرى يتركّز فيها التخزين أو التصنيع أو كلاهما. تُقدّر الأرقام حجم تجارة هذا المخدّر بمئات الأطنان، بقيمة تقدّر بأكثر من ستة مليارات دولارات، صنّعها وصدّرها النظام إلى دول الجوار، حتى اكتسبت سورية سمعة دولة المخدرات، عن جدارة.

(العربي الجديد)
(ع)

آخر الأخبار

الأكثر قراءة

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.