“تونسي ونص” لنبيل بن مسمية: كوميديا سوداء تعرّي سكيزوفرينيا التونسي

لم يتمالك نفسه بعد قرابة الساعتين من الوقوف على خشبة المسرح، حيث انهمرت دموعه وكأنه يقول “نعم لقد فعلتها .. نعم لقد نجحت وحققت حلمي “، وما أجمل أن تبكي فرحا بعد تعب دام سنوات، ولعل تفاعل الجمهور وعدم مغادرته المسرح طيلة العرض والضحك المتواصل هو ما دفع نبيل بن مسمية للتأثر حدّ البكاء إثر عرض مسرحيته الأولى “تونسي ونص” .
ساعتان من الضحك عاشهما جمهور المسرح البلدي بالعاصمة مساء الخميس 16 جانفي 2025 اثناء مشاهدته للعرض الأول لمسرحية “تونسي ونص” حيث نحج نبيل بن مسمية في أول اختبار له على خشبة المسرح في أن يضحك الجمهور ويؤثر فيه ويشدّه طيلة المسرحية دون أن يبرح أحدهم مقعده وذلك باعتماده على نص متماسك ولغة مبسّطة وأداء مقنع ونسق تصاعدي.
حين تكون حقيقيا وصادقا على خشبة المسرح، تكون قادرا على نقل حمّى مشاعرك إلى المشاهدين، وهو ما فعله نبيل بن مسمية بجمهوره، حيث اعتمد في نصه على لغة بسيطة قريبة من المتفرج بعيدة عن التعقيد وخاطبه بلغته المعتادة وغاص في حياته اليومية وتفاصيلها فأقنعه وأضحكه بكل سلاسة وهذا هو مفهوم المسرح الكوميدي أو الملهاة كما يعرف عند كثير من الباحثين وهو الدراما التي تحاكي حياة العامة من الناس، فتعرض تفاصيل حياتهم بتناقضاتها .
مسرحية “تونسي ونص” تطلبت من نبيل بن مسمية سبع سنوات من الإعداد وسنتين ونصفا من الكتابة والبروفة وهو ما تجلى مساء الخميس، حيث كان بن مسمية متمكنا من الشخصيات ومن نصه محافظا على نفس النسق منذ بداية العرض الى نهايته وهذا نادرا ما نلاحظه في العروض المسرحية الكوميدية فعادة يتقلص النسق في بعض المشاهد أو يتسلل الملل للمتفرج في لحظات من العرض لكن في عرض “تونسي ونص” كان النسق تصاعديا كما إنتقل بن مسمية من موضوع الى آخر بكل سلاسة دون أن يفقد توهّجه أو طاقته أو يرتبك حيث تغلّب على “التراك” بكل حرفية وكأنها ليست بالمرة الأولى التي يقف فيها على خشبة المسرح .
المسرحية كانت عبارة عن “ستاند اب” كوميدي عرض خلاله نبيل بن مسمية عديد المواضيع التي تهم التونسي وتصوّر حياته بطريقة هزلية وانتقل خلاله من العام الى الخاص ومن حياة التونسي الى حياته الشخصية، وأبرز مشاكل المجتمع والعائلات وتناقضات التونسي بشكل طريف مبرزا السكيزوفرينيا التي يعاني منها المجتمع في حياته اليومية، فجاءت المسرحية عبارة عن كوميديا سوداء وضع خلالها نبيل بن مسمية اصبعه على أصل الداء وعرّى المجتمع وتناقضاته في شكل هزلي ودون السقوط في المباشرتية او الابتذال او “النكت الفايسبوكية” السمجة .
مواضيع متنوعة تطرق اليها نبيل بن مسمية في “تونسي ونص”، كالتربية الحديثة والخيانة الزوجية والزواج والسحر والفرق بين العائلات التونسية والمؤثرين والمختصين في التنمية البشرية وعمليات التجميل.
كما لخّص أبرز الأحداث التي مرت بها تونس منذ الثورة الى اليوم وانتقد الاعلام وعرّج على مزاجية التونسي وشخصيته المركبة، معتمدا على اسقطات تاريخية انطلاقا من الفتوحات الاسلامية في تونس والاستعمار وابن خلدون وعليسة موظفا كل هذه التواريخ لإبراز “سكيزوفرينيا” الشعب التونسي معتمدا عن لغة غير معقدة وقريبة من المتلقي ودون السقوط في المفردات المبتذلة التي قد تزعج البعض وخاصة العائلات، ببساطة في هذا العمل قدم نبيل بن مسمية ما يريده الجمهور وما يبحث عنه وانتقل من موضوع الى آخر بكل سلاسة.
بقي أن نشير الى بعض الهنات التي بإمكان نبيل بن مسمية تجاوزها في قادم العروض خاصة وأن عرض يوم الخميس هو العرض الأول والثابت أنه يحتاج الى بعض التعديلات البسيطة نذكر منها السينوغرافيا حيث افتقر العمل الى المؤثرات الصوتية والإضاءة ولعل عدم اعتماد بن مسمية على مخرج لمسرحيته أثر على هذه النقطة حيث يحتاج كل عمل مسرحي مهما كان نوعه الى سينوغرافيا، اضافة الى بعض الملاحظات على الصوت المرتفع الذي يحتاج الى بعض التعديلات.
(الجمهورية – سناء الماجري)

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.